محمود مجدي موسى الجدي يكتب : الانتخابات القادمة ما بين تسلط النخبة للسلطة ووعي الهامش في طموح السلطة

16فبراير2022م

إنّ غياب الديمقراطية في الظاهرة السياسية السودانية، خاصة داخل التنظيمات السياسية وحتى تواصل النخب السري بينها، عمّق فجوة الصراع وتجلى ذلك في تاريخ الحكومات الوطنية وظهر ذلك في سيطرة النخب ولجوئها للخيارات الأمنية في حال نشوب تمرد أو أي ظواهر، وحتى هذه الخيارات العسكرية ظلت من نصيب فئات على اخرى ومناطق على مناطق ولغة السلاح في مخاطبة جذور الأزمات بالأقاليم المُضطربة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق ومن قبل جنوب السودان.

لذلك ما يقودنا أن نسرد هذه المقدمة لتوضيح الحقائق في طبيعة شكل الصراع الجغرافي تارة، ونزاع الهوية تارة أخرى.

وعندما يتعلق الأمر بالميدان البشري، ميدان الاجتماع والاقتصاد والسياسة والثقافة، فإن النتائج يجب أن لا تُخضع للمقدمات وحدها، بل يجب أيضاً أن تكون غايات وأهدافاً ترسخ في بناء مشروع دولة تؤسس لها جغرافية قومية وبناء الوجدان السوداني السوداني في جوهر القضايا الكلية التي تبنى على المواطنة أساس الحقوق والواجبات بين الجميع في الدولة التي تنشأ بعد هذه الثورة الديسمبرية العظيمة، التي مهرت بدماء الصّادقين من أبناء شعبنا المعطاء الرحمة والخلود لهم وعاجل الشفاء للجرحى.

إنّ الظاهرة السياسية في السودان منذ عقود أسّسها وعي الشعب، آراؤهم وطموحاتهم وتنوعهم الثقافي والإثني والاجتماعي،  ولكن في علم السياسة كما نفهمه ونعلمه هو أن المعرفة السياسية لا يؤسسها ذلك الوعي فقط، بل ما يؤسس هذا الوعي نفسه ويطوره وينظمه ويُشكِّله من علاقات اجتماعية مترابطة ومتداخلة ومنسجمة ومتناغمة لتحقيق مصالح وطنية قومية دون المصالح الطبقية الضيقة، وبالنسبة لنا فالعقل السياسي السوداني وتجلياته أحزاباً وجماعات يؤسسها بالإضافة إلى وعي الناس لا شعورهم، شيء آخر آت من بنية القبيلة ينسف تلك المبادئ.

والقبيلة هي ذاتها لعبت دورا أساسيا ومحوريا في تاريخ الأحزاب السياسية السودانية، كما أنها صاحبة الطموح في التوسع وزيادة النفوذ والثراء وطغيان أبناء البيت الواحد في مصير قرارات الحزب دون رأي الأغلبية المستغلة التي تتدافع وتقابل ذلك بالطاعة، ظن في خيالها أنها بذلك تؤدي في منهج تربوي وهي لا تعلم أنّها مغدورٌ بها من قبل تلك النخبة الغاصبة، وتلجأ إليهم النخبة في صناديق الانتخاب أو صناديق الذخيرة في مواجهة الاضطرابات وهذا الرأي بالرغم من أنه يحمل شيئاً من الغلظة والفظاظة تجاه بعض التنظيمات، لكن أيضاً جانب من موروث سلوك تلك النخبة مما جعل هناك تشظياً وانقساماً مجتمعياً.

وحقيقةً، كان الإمام المهدي رحمة الله عليه رجلاً وطنيا بألا يعهد لآله وأسرته وراثة الأمر والخلافة من بعده، وإنه يعلم حقيقة أن مشروعه مصيره محتومٌ إذا خلفه واحدٌ من الأسرة، بل كان فطنا وسياسيا من الدرجة الأولى، ذلك حينما منح الخليفة عبد الله التعايشي الأمر والحكم وقيادة المهدية من بعده وهو يستحق خلافة المهدية لأسباب معلومة وهي حاجة الإمام المهدي للرجال في مُواجهة الاستعمار حينها، وغض النظر عن ما يُقال ويُشاع عن أخطاء الخليفة نقول في السياسة هي فن إدارة الممكن، ولكن ما يهمنا هنا أنّ المهدي أسّس لمفهوم آخر وهو ما ننادي به الآن وما أشبه الليلة بالبارحة في مشهد الدولة اليوم.

فمفهوم الوطنية السياسية القائمة على التعددية، جعلت الإمام المهدي أن يقف بذلك ضد القبيلة في مشروعه وضد توريث الأسرة في طرحه وبرامجه وسلوكه، وظهر لنا باكراً الإحساس بـ”الأنا” مبكراً ولتحديد أهلية النخبة في الحديث عن مُجمل تداعيات الظاهرة نقول أو نسأل هل تفتقد الأحزاب السياسية السودانية “الآخر”؟ الثقافي، الاجتماعي والسياسي، في الحقيقة تتجاهله وتعمل على تغييبه واستغلاله لصالح قيادة الحزب وهذه القيادة تمكث على كرسي الأفندية، وهؤلاء ثقافتهم نهائية لا تدريجية وتتّسم بلا تاريخية، وبسببها تترك الواقع وتنشد المثال فتتناسى هذه الجموع وجود الآخر وتأثيره، لغته وعالمه، محاسنه ومخازيه، مخاوفه ومراميه وطموحاته وكيفية إشباع حاجياته الإنسانية وحقه في القيادة.

والمُهمّش هذا هو مَن يقوم مقام الآلة في تغذية المُجتمع بالمُنتجات وحشد الآلاف للأحزاب ونقاط تماس هذا “الآخر” مع مَن سمّيناهم “النخبة” هي نقاط محبونة تتخلّلها لغة السيد والتابع والأب والابن والأمير والمأمور والجنرال والجندي، ولكن تناست النخبة أن هذه الجماعات المسكتة بالقوة النوعية لا تحتمل البقاء في الظل فترة أطول، يكفي الصبر منذ الاستقلال حتى الآن.

فهل يحدث هذا لأنّنا مُصابون بالفصام وهو ضياع “النخبة” عن الاتصال بالواقع الواقع بشروره وخيريته، هل هناك قانونٌ طبيعي يمنح البعض صفات اجتماعية خاصة ويرفض منح الآخرين ذات الصفات بسبب المكانة الاجتماعية.

إنّ الطبيعة محايدة لا تفرق بين أحدٍ، ولا تفاضل إنساناً على آخر، بل نحن من وضعنا القوانين وتقيدنا في محرابها والحل في ذلك إعادة تعريف وتسمية الفاعل الاجتماعي والسياسي في السودان، والتعريف هذا ينطلق من مُساهمته لا من طبقته ولا قبيلته التي وضع فيها بسبب إرادة النخبة وتخاف هذه النخبة أو الطبقة على مصالحها، وإننا برفضنا بعضنا البعض سائرون في طريق مسدود يخسر فيه الوطن بسبب جنون العظمة الذي يجعل أحدهم يُمارس تعالياً فوضوياً على حساب الآخر، يجعله وبمعزل عن غيره يقرر أن هذا الشخص غير مُؤهّل ليُمارس دوره النخبوي بسبب موقعه، الطبقة والانتماءات الجغرافية الضيِّقة التي أرهقت مسيرة التنظيمات والحكومات بسبب لوبياتها المتكررة والمتعددة في المحاور.

يبقى الخيار مفتوحاً في الانتخابات القادمة لأبناء تلك الأقاليم البعيدة والمضطربة والمتحامل عليها أن تتوحّد وتوقف صوت البندقية وتتفق في مصيرها، وعليهم أن يدركوا أن الفرصة أمامهم للمساهمة والمطالبة بتصحيح مفاهيم وإصلاح رؤى وأفكار وهياكل قيادة الأحزاب، وإذا انسدت الأفق في تجديد دماء جديدة تقود هذه الأحزاب، لا مانع لهم من تأسيس أحزابهم حتى يتمكّنوا من المُشاركة في اتخاذ القرارات الحزبية والتي تجعل الطريق أقرب وأقل تكلفةً في بناء وحدة ما تبقى من السودان.

وعلينا جميعاً أن نؤمن بأن الخيار الأفضل لنا ان نُساهم في تأسيس دولة العدالة الاجتماعية التي تقوم على أساس المواطنة ودولة المؤسسات ويكون ذلك بوحدة الهدف والمصير المشترك في تحقيق غايات الوصول وفتح آفاق الوعي والممارسة السياسية الراشدة.

 

 

 

https://www.facebook.com/karbeeno.hota

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى