الروائي والكاتب الكبير جعفر نصر في حوار لــ(الصيحة):انقلاب البشير هدفه القضاء على الثقافة

التنظيمات العقائدية آفة ابتكرها الشيطان

الحركة الإسلامية كرّست للجهوية والحكم المقنع بالدين

ظلال معوجة تحفيز للشعب للقيام  بثورته الثالثة

أجراه: الغالي شقيفات  22ديسمبر2021م

مقدمة

يعتبر الروائي جعفر نصر من أبرز الروائيين السودانيين الذين عانوا من نظام الإنقاذ المباد، حيث مُنعت روايته الابتسامة الأخيرة من الطباعة في السودان وهاجر إلى ليبيا ومصر، حيث طبع روايتيه الابتسامة الأخيرة وظلال معوجة، وناقشت الروايتان قضايا حقيقية وبعضها نعيشها اليوم كالتظاهرات والديكتاتورية في عهدي نميري والبشير وهما روايتان ذات بعد سياسي تناقشان قضايا المجتمع.

وشارك جعفر في العديد من المهرجانات الدولية ومعارض الكتب في الداخل والخارج، وحُظيت كتبه ورواياته بجمهور واسع وساهم في دفع عجلة الثقافة بالبلاد، وعمل موظفاً بجامعة الخرطوم ومُشرفاً كيميائياً وفي العديد من المراكز الثقافية، وأنشأ وأسّس قواعد الرواية السودانية فمعاً الى افاداته:

بداية متى كتبت رواية الابتسامة الأخيرة وما سر التسمية؟

كتبت إبان الديكتاتورية الثانية المايوية، وقد شملت نواحي الحياة في المجتمع السوداني في تلك الحقبة، وكانت بطلتها الشهيدة الطالبة بالمرحلة الثانوية سلوى دفع سيد تاريخ استشهادها 16/1/1982م بمدينة الأبيض، ورغم اجتهادي الشديد لم استطع أن أصف أحداث تلك الثورة الطلابية بالصورة المثلى وذلك لصغر سني وقلة تجربتي، حيث كنت طالباً بالصف الثالث الثانوي وقد رأيتها تشق طريقها مهرولة تجاه فتاها المحمول على الأعناق، رسمت ابتسامة ساحرة تحذر الطلبة من مغبة الالتحام بجنود الاحتياطي المركزي ورجال الشرطة، لإصابة عدد من الطلاب بأعيرة نارية في أماكن متفرقة، صارت تفج لها سبيلاً للوصول إليه  تاركة نفسها لتيار الثورة يجرفها أنى شاء ما دام يسوقها نحوه. عبرت مساكن الشرطة  الى الطريق الفسيح باتت منه على بُعد خطوات لوحت له بالنصر، بيد أن فرحتها لم تكتمل لشعورها بعيار ناري اخترق قلبها النابض ترنحت  قليلاً ثم سقطت، اندفع احمد نحوها كالسهم  ارتمى فوق صدرها النازف وبكى. غرست أصابعها في شعره   رفعته عنها قليلاً وصوبت إليه نظرة فاحصة. تليها  ابتسامة عريضة كشفت اسنانها الناصعة أسبلت جفنيها.

 

وماذا عن رواية ظلال معوجة؟

كُتبت هذه الرواية بعد انقلاب 30 يونيو 1989م بقيادة الضابط عمر البشير المنتمي الى الحركة الإسلامية الذي كرس للجهوية والحكم المقنع بالدين، وقد استخدم القوة المفرطة لكل معارضيه قتلاً وسجناً وتشريداً بعنف وبشاعة تفوق أفعال الديكتاتوريتين  الاولى والثانية اللتين شملتهما هذه الرواية من حيث تشييد المتاريس وتوالي المظاهرات ليل نهار تلبد المدن بدخان إطارات السيارات والتحام النساء والأطفال بالعسكر المدججين بالسلاح ورميهم بالحجارة، وتوافدت قطارات الموت من جميع مدن الأقاليم. كان الثوار يحملون العصي والسيوف والفؤوس  وتصدح حناجرهم بالمطالب المشروعة وقد كانت تلك الثورة الأولى لا مثيل لها، ولا أبالغ اذا قلت إنها تفوق  الثورة الفرنسية عظمة حسب ما ذكره معاصروها في الاحتفالات التي تقام سراً في منازل المناضلين في عهد الأنظمة الديكتاتورية الشمولية البغيضة وقد دأب الناس على الاحتفال بها كل عام في عهد الحكومات الديمقراطية، مع قيام أنشطة ثقافية تخليداً لذكراها.

ولماذا كتبت هذه الرواية؟

كتبت هذه الرواية  تحفيزا للشعب للقيام بالثورة الثالثة في ثورة ديسمبر المجيدة التي ارتدت بها تقويم الاعوجاج الذي امتد لأكثر من ثلاثين عاماً،  وكان شعارها “حرية.. سلام وعدالة”، “مدنية خيار الشعب”.

كيف تنظر الى الانتاج الفني والثقافي في السودان الآن؟

إن أول أهداف انقلاب عمر البشير المشؤوم القضاء على الثقافة، لأنها هي المعول الذي يهد الحركة الإسلامية مجازاً، لأنها في الحقيقة هي الحركة الشيطانية وهدفها الخفي الخبيث القضاء على الإسلام ذات نفسه، لذلك سعت الى إضعاف القراءة والكتابة للأطفال في المناهج المدرسية.

حيث يصل التلاميذ إلى الصف الثامن وهم لا يحفظون الحروف الأبجدية ما عدا تلاميذ الحركة الشيطانية يتلقون التعليم في مدارس خاصة باهظة الثمن ليتمكنوا من إدارة الدولة.

ولأنني عملت بالتدريس في مدارس الأساس الخاصة اكتشفت هذه الكارثة والقلة التي تعلمت القراءة والكتابة تقرأ بالتهجي وتكتب بطريقة رديئة، فقراءة الصفحة تستغرق من الطالب والتلميذ قرابة الساعة فأصبح الاطلاع للتلاميذ شيئاً غير مرغوب فيه، ومن ثم تتم عملية غسل الدماغ التي بموجبها تغرس هواية القتل وابتداع الحروب ضد الخصوم وهذه هي الثقافة المطلوبة للحركة الشيطانية.

هل أثّرت الحروب والأزمة السياسية الاقتصادية على الكُتّاب والمبدعين؟ وكيف تنظر للتراجع الكبير في القراءة والمناشط الثقافية؟

 

التنظيمات العقائدية جميعها آفة ابتكرها الشيطان لأنها ترفض التنوع. والتنوع سمة من سمات خلق الله في اللون، اللغة، الدين والمعتقد. فالعقائدية فهم الخصوم أعداء يجب القضاء عليهم بشتى الوسائل، الحروب، الاغتيالات والفقر.

ومع الفقر لا مبدع ولا ثقافة، فالإنسان يتحول إلى بهيمة آدمية يأكل ويتكاثر فقط، في حين أن اول سورة نزلت في القرءان الكريم بسم الله الرحمن الرحيم (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم).

لذلك ثقته/// القارئ إلى الكفر بالتنظيمات العقائدية لأنها تقتنع بثوب الخداع والغش. الشعارات التي ترفع لا لحكم العسكر هي فرية كبيرة انطلت على صغارنا رواد الثورات الثلاث في السودان. الحقيقة الناصعة الواضحة كالشمس حكم السودان من قبل سياسيين عقائديين معسكرين مغسولي الأدمغة يمتطون الجيش حصان طروادة لتنفيذ أوامر الشيطان.

من هنا أحيي جنودنا البواسل وأترحم على شهدائهم الأبرار. إذا أردنا حكماً ديمقراطياً راشداً يجب أن تكون الأحزاب احزاباً سياسية بحتة تتجدد قيادتها حسب الفترة الزمنية التي ينص عليها قانون الأحزاب الذي لا بدّ منه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أصدق القائلين: «وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي» (سنن الترمذي).

 

وحجر الزاوية الآخر في بناء الحكم الديمقراطي الحقيقي خروج القوات. يقول الله عز وجل في كتابه العزيز: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ), ويقول رب العزة (فما أرسلناك عليهم حفيظا) هذه الآيات يخاطب بها رب العزة نبيه الكريم.

أنا أتساءل من محمل بأوزارنا حتى يأمرنا قسراً أن نسلك الطريق القويم، والله يقول في محكم تنزيله: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ).

حدثنا عن معاناتكم مع النشر؟

 

معاناة النشر: عندما طبعت رواية الابتسامة الاخيرة عرضتها على الصديق خالي مكي عبد المحمود الشاعر والروائي الفذ حبيب القاضي في بيت المال. حيث اقترح عليّ أن نقيم لها ورشة تصحيح وتغيير. عكفنا عليها بما يقارب الشهرين في ليلة ٣٠ يونيو ١٩٨٩، ونحن نصحح الأبواب الأخيرة سمعنا صوت الدبابات في شارع شمبات متجهٌ نحو الإذاعة، قال لي رحمة الله عليه: (الحركة الإسلامية نفّذت انقلاب على السلطة والشعب السوداني سيزوق المر).

بعد الطباعة الثانية، عرضت الرواية على دار جامعة الخرطوم للنشر وكان أمينها محمد جلال الآن هو بلندن، قدمت ليقيم الدار جمال الملك بن خلدون، رجعت لدار جامعة الخرطوم واعتذر بأنها لا يستطيع مسؤولية هذه الرواية.

اقترح محمد جلال إجازتها من المجلس القومي للآداب والفنون، لم اجد السكرتيرة فاطمة، قررت أن استشير د. بشرى الفاضل استاذ الأدب الروسي واللغة الروسية بجامعة الخرطوم كاتب حكاية البنت التي طارت عصافيرها، لم اكن أعرفه، دخلت مكتبه، عرّفته بنفسي والعمل، تضاحك، ثم قال أنا عضو في المجلس القومي للآداب لن أجاملك. تعال استلم التقرير بعد اسبوع. استلمت التقرير، أذهلني، فقد كتب فيه تُنشر هذه الرواية على نفقة المجلس القومي للآداب، وعلمت منه أن عضواً آخر يوقع على هذه الإجازة وهو د. حسن صالح سوار الذهب، كنت أعرفه في كلية التربية لأنّني اعمل بها، ماطلني في التوقيع بحجة أنه لا بد أن يقرأ الرواية قرابة العام، في آخر لقاء في بالكلية، حدد الاجتماع في المجلس القومي بالغد. كان التقرير الذي أعده يوافق كل ما ذكره د. بشرى الفاضل، لكنه نوه في التقرير الذي أعده أن أغيِّر الأبواب الأخيرة من الرواية، يومها قال لي د. بشرى انت صاحب الرواية انت صاحب القرار، فقلت له سأهرب من السودان، سافرت إلى حلفا، عند وصولي وجدت العلاقات ساءت بين مصر والسودان. مُنع من الدخول. رجعت الخرطوم وفكرت أن اسافر الى ليبيا وقد كان.

قدمت الرواية لدار الجماهيرية للنشر بطرابلس، حيث أُجيزت بامتياز، رحلت للعمل في بنغازي ونقلت الرواية إلى مطبعة في مصراتة، كان التسويف والمماطلة لأكثر من عامين بحجة أنني براني (اجنبي).

طلبت من مدير المطبعة د. عبد السلام العجيلي أن تُطبع الرواية على نفقتي، عملت في سوق العرب ببنغازي ثم بقالات المواد الغذائية وأخيراً الشركة الوطنية للدراجات، نشرت الرواية في سبتمبر ١٩٩٤م بواسطة الخال إسماعيل سائق شاحنة مع شقيقي الدسوقي. في  يناير ١٩٩٦م رحلت قسراً إلى الكفرة ثم إلى السودان، حيث تُهنا شهراً في الصحراء الكبرى ثم اهتدينا، وُزع جزء منها في كردفان والآخر بدار جامعة الخرطوم في معرض المليون كتاب ١٩٩٦م، أما رواية ظلال معوجة أُبعدت من منافسة جائزة الطيب صالح وترجمتها إلى اللغة الإنجليزية ومُنعت من النشر في بريطانيا، سافرت إلى مصر وطبعتها على نفقتي عام ٢٠١٤م، كرمني اتّحاد الكُتّاب والمثقفون العرب في باريس كأحد فرسان الإبداع في الوطن العربي، الرواية بقيادة أ. د. محمد حسن كامل، هُربت عام ٢٠١٧م أربعين نسخة من ظلال معوجو ووزِّعت إلى أشخاص بالأسماء في الأبيض، حتى لا اكون عرضة للتصفية شاركت في معرض الخرطوم الدولي للكتاب في دورته السادسة عشر في ٢٢ اكتوبر ٢٠٢١م، والشكر لاتحاد الكُتّاب السودانيين الذي منحني خطاباً مروساً مع بطاقة العضوية إلى وزارة الداخلية لأُمنح جواز سفر بمهنة الكاتب الروائي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى