في ذكرى 21 أكتوبر.. (الصيحة) تنشر (اصل )الخطاب التاريخي للفريق عبود وتلتقي مسؤول “مطبخ الضيافة”

في ذكرى 21 أكتوبر.. (الصيحة) تنشر الخطاب التاريخي للفريق عبود وتلتقي مسؤول “مطبخ الضيافة”

العم الفكي بشير بريمة: خرج عبود بخطابين للشعب

يجب وضع تجارب الماضي صوب النظر

الخرطوم- انتصار فضل الله    21 اكتوبر2022م

في ذكرى 21 أكتوبر 1964م..

الخطاب التاريخي للفريق عبود إلى الشعب السوداني الأبي

بسم الله الرحمن الرحيم

(أيها الشعب السوداني الكريم يطيب لي أن أحييكم أطيب تحية أن جيشكم الباسل عندما تقلَّد زمام الحكم لم ولن ينوي أن يبقى فيه إلى الأبد) .

ولرغبة الجمهور جمعاً اتخذت القرارات الآتية:-

١- حل المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

٢- حل مجلس الوزراء.

٣- سوف احتفظ بدستور هذا البلد حتى يأتون رجال أقوياء يحملون أمانة هذا البلد .

وأرجو من الجمهور الكريم الهدوء والسكينة حتى نتيح الفرصة لهؤلاء الشرفاء لتحمُّل هذه المسؤولية الكبيرة.

والسلام عليكم  ورحمة الله وبركاته

” الفريق / إبراهيم عبود – رئيس الجمهورية  “

وثيقة اكتوبر

حيرة وحزن

في يوم الأربعاء 19 أكتوبر حضر إلى مقر الصحيفة العم “الفكي بشير بريمة (أبو أمين)، متأبطاً ظرفاً أبيض اللون بداخله بضعة أوراق من بينها خطاب عبود، وبدأت على ملامحه “الحيرة والحسرة” على ذلك الوقت مبدياً حزنه وتأسفه لما آلت إليه البلاد.

العم “بريمة”  من جيل أكتوبر يناهز عمره 70عاماً، ومشجِّع فريق الهلال المعروف كان مسؤولاً من بوفيه الضيافة للقائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية الفريق إبراهيم أحمد البشير عبود، وكان يشاركه في عمل البوفيه زميله من أبناء النعيم علي لاعب في فريق الهلال عرف باسم ” النعيم ود حمد ”

حالة إعجاب

قال “بريمة ” لـ(الصيحة) إنه كان معجباً جداً بالرئيس عبود بالرغم من ذلك شارك في مظاهرات 64  بعد أن ترك العمل في المطبخ الرئاسي .

يحكي، أن عبود خرج للشعب في يوم ٢١ أكتوبر، بخطابين الأول غير مكتوب ولا يوجد له تسجيل في الإذاعة السودانية كما لا توجد منه نسخة في دار الوثائق،  فقد كان خطاباً على الهواء مباشر وهو الخطاب الذي ملَّكه لـ(الصيحة)، ذكر أنه الشخص الوحيد الذي حفظ نص خطاب الرئيس في ذهنه ومن ثم قام بكتابته وطباعته.

شغف الاستماع

يقول بريمة في ذلك التاريخ كان الشعب  مترقب كلمة عبود بكل شغف منذ الثالثة ظهراً حتى السابعة مساءً، فقد توجهت أعداد كبيرة من المواطنين نحو قهاوي بحري التي يتوفر فيها جهاز الراديو الكبير في انتظار البيان، مما دفعهم لإيقاف المظاهرات وصمت هتاف الشعب المطالب بتنحي الرئيس.

ذكر بريمة، كانت الساعة السابعة مساءً من ذات التاريخ هو توقيت نشرة الأخبار  فجاء صوت المذيع محمد خوجلي صالحين، قائلاً: الآن إليكم خطاب الرئيس الفريق إبراهيم عبود.

عمَّ السكون أجواء البلاد ولم يكن هناك صوتاً مسموعاً سوى صوت الرئيس، يقول بريمة إنه لم يكن يعرف اللغة العربية جيِّداً، وعندما  ذكر عبود جملة “هدؤ وسكينة” صرخت بأعلى صوتي  وقلت للمواطنين عبود يقصد زوجته “سكينة”، صمت وكادت تسيل من عينه الدموع، ثم واصل: عبود كان يحترم الشعب السوداني ويقدِّره ويحبَّه وظهر ذلك من خلال الخطاب المهذَّب الذي قدَّمه.

دعوة للاحتجاجات

يواصل بريمة، بعد مرور أيام على الخطاب حرَّك “الشيوعيون” الشارع مجدَّداً وطالبوهم بعدم إيقاف الاحتجاجات واصفين عبود بـ”الكاذب” وأنه لم يكن صادقاً مع الشعب وأنه لم يترك الحكم رغم حَلِّه الحكومة.

أكثر ما آثار إعجاب بريمة بالرئيس وقتها أنه تحدث للمتظاهرين قائلاً: ” في شنو تاني يا أولادي” فكان طلبهم التنحي عن الحكم نهائياً،  لكن عبود طلب منهم أن يأتوا “بناسهم” وهو سوف يسلِّمهم الحكم بلغة محترمة جداً وتسامح ورضا.

تحمُّل مسؤوليات

يروي بريمة كشاهد على العصر، اجتمع عبود بالسياسيين وأخبرهم بأنه سوف يسلِّم الحكم لكن بشرط أن يُعاقب من قبل الشعب حال ثبتت عليه جرائم، كما أنه سوف يتحمَّل كل أخطاء زملائه السبعة الذين شاركوه في حكم البلد وهم: (حسن بشير نصر،  محمد طلعت فريد، أحمد رضا فريد، أحمد مجذوب البحار، محمد أحمد عروة، مقبول أمين الحاج  ومحمد نصر عثمان)، فجاء رد الزعيم أزهري بالقول: “عفى الله عما سلف”،  بعدها كوَّن مجلس السيادة برئاسة الزعيم أزهري وعيَّن سر الختم الخليفة رئيس وزراء وخرج البيان الأخير لتسليم الحكم.

تأسف بريمة جداً لأنه عندما ذهب إلى القهوة ليستمع للبيان الختامي لعبود لم يسمع سوى الثلاث كلمات الأخيرة وهو يودع الشعب السوداني “استودعكم الله واترككم في رعايته.. الفريق إبراهيم عبود” وسلَّم الحكم إرضاءً لرغبة الشعب .

إنسانية رئيس

قال بريمة، عبود إنسان حنون وعاطفي جداً كان يشفق على الإنسان والحيوان، وحكى بعض المواقف التي تؤكد ذلك.

ويرى أنه أعظم رئيس مرَّ على السودان فهو الوحيد الذي رفع رأس الشعب أمام الأمريكان عند زيارته إلى أمريكا في نهاية خمسينات القرن الماضي ملبياً دعوة الرئيس “جون كندي” الذي لم يكن في استقباله وأرسل إليه مسؤول من المراسم لمرافقته إلى بيت الضيافة من ثم إلى البيت الأبيض حسب العرف الأمريكي.

ثروات السودان

قال بريمة أدهش رفض عبود الترجل عن طائرته إلا بحضور “كندي” أو العودة إلى بلاده. وأثار إعجاب  كل الأمريكان خاصة عندما قال لمسؤول المراسم “اتصل برئيسك وقل له أنت رئيس للشعب الأمريكي وأنا رئيس للشعب السوداني” وقبل تحرُّك طائرته جاء جون لاستقباله وبذلك يعتبر الرئيس الأفريقي الوحيد الذي قضى وقتها ثلاثة أيام في البيت الأبيض.

يضيف بريمة: إن جون سأل عن نوع المساعدات التي يريدها عبود لشعبه،  فقال له لم أأت لأشحذ فالشعب السوداني لا يشحذ وإنما قدومي تلبية لدعوتك والاستفسار عما يريده الأمريكان من السودان الذي يمتلك القطن والصمغ والمساحات والثروة الحيوانية وكل الخيرات.

هذا هو الرئيس الذي جعل كبار الأمريكان يصفون السودانيين بالكبرياء، لكنه تأسف لأن السياسات والسياسيين بعد ذلك العهد أضاعوا كبرياء البلاد ودفنوا رؤوسنا في التراب فضاع كل شيء.

بعث بريمة برسائل إلى الشعب والحكومة، مناشداً بضرورة الاستفادة من الماضي ووضع التجارب صوب النظر مع بث روح  التسامح والعفو والمصالحة والاهتمام بتنفيذ العدالة الاجتماعية والانتقالية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى