التحالفات الانتخابية.. الطريق إلى البرلمان

 

الخرطوم ــ الطيب محمد خير

ربما يفرز الوضع الجديد الذي أعقب سقوط حكومة الإنقاذ الشمولية التي حكمت البلاد بقبضة حزب المؤتمر الوطني الواحدة دون إفراد حيز حقيقي للأحزاب الأخرى واقعا مختلفا فالديمقراطية تحتاج إلى العمل المتواصل والعهود المتعاقبة لتجاوز مشكلاتها كممارسة تنمو مع تعاقب الحقب، وفي ذلك قال رئيس التجمع الاتحادي بابكر فيصل إن الانتخابات القادمة ستكون مختلفة باعتبارها أول تجربة ديمقراطية تخوضها الأحزاب السياسية بعد ثلاثين عاماً من حكم شمولي قابض، وربما أفرزت تجربة حكم الإنقاذ التي انتهجت سياسات مختلفة تجاه خصومها السياسيين أبرزها سياسة فرق تسد التي ناسلت الأحزاب والقوى السياسية بالبلاد لتصل إلى اكثر من 100 حزب ما يحتم عليها التكتل في تحالفات هدفها حصد الأصوات وذلك أيضا ما أشار إليه بابكر فيصل عندما قال إن الأحزاب ستخوض الانتخابات القادمة عبر تحالفات وليس أحزاباً، مبيناً أن هذه التحالفات ستكون بين بين الأحزاب المتقاربة في البرامج  وتوقع أن تسعى الأحزاب التي ليست لها قواعد جماهيرية للتحالف مع الأحزاب الكبيرة، وهذا أفضل للسودان لأن محصلته ستكون إنتاج إحزاب وكتل انتخابية   كبيرة .

مهنة السياسة

رؤية بابكر فيصل الحالمة ربما تبدو مقبولة على المستوى النظري غير أن الكثيرين يرون أن صنع تحالفات سياسية أمر لا يمكن حدوثه في السودان قياسًا على الاختلافات التي تبدر بين الكيانات الأيدبلوجية الواحدة وتحيلها بكل سهولة إلى عدة أجسام تحمل ذات الاسم وذات الأيدلوجيا، واستشهد مراقبون بوجود أكثر من 8 أحزاب تحمل جميعها اسم حزب الأمة، بينما أكثر من ذلك أحزاب تحمل اسم الاتحادي الديمقراطي أو أسماء مشتقة عنه، وأرجعوا ذلك للتنافس الحاد على مستوى القيادات السياسية في الوصول إلى المقاعد القيادية كون كثير منهم يعيش في فهم مغلوط يعتبر أن السياسة مهنة تدر دخلاً يعيش عليه دون بذل مجهود كبير، وبالتالي فإن أمر التحالفات في ظل التنافس السياسي القائم أمر ربما يصعب تطبيقه على أرض الواقع رغم جودة النظرية.

خلافات

ويرى مراقبون أن حالة التجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية السودانية الآن داخل التحالفات التي قامت بين الأحزاب من جهة وبين الأحزاب والمجتمع المدني خلال المرحلة الماضية أن هذه التجاذبات تبدو أنها مصنوعة بطريقة ممنهجة قائمة على الإقصاء ومحاولة البعض تصدر المشهد السياسي منفرداً كل هذا تؤكده استحالة صنع ماعون واحد لجمع هذه القوى السياسية، وهذا يظهر  بداية من التجمع الوطني المعارض الفجر الجديد وقوى الإجماع الوطني وانتهاء بقوى الحرية والتغيير التي جميعها شهدت خلافات حادة بين المكونات المنضوية داخلها وأدت لحالة من التشظي والانقسام وانتهت بموت هذه التحالفات بما يجعل السؤال مشروعاً الآن عن مدى نجاح هذه القوى السياسية التي تتحكم فيها الكثير من الأيدولوجيات في أن تتوحد وتلفت حول برنامج واحد لحكم السودان.

غير قابل للتطبيق

ويرى أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الوطنية والمحلل د. عبد اللطيف البوني في حديث لـ(الصيحة) أن ما يقوله رئيس التجمع الاتحادي بابكر فيصل لا يتعدى أن يكون مجرد وجهة نظر مطروحة غير قابلة للطبيق على أرض الواقع في ظل قانون الانتخابات الحالي المتبع فيه نظام  الدوائر الجغرافية أو ما يعرف بديمقراطية (وست منستر)، المعمول بها في الانتخابات منذ أول انتخابات شهدها السودان، وبالتالي قياساً بالتجربة يصبح الاتفاق لخوض الانتخابات بتحالفات بين الأحزاب على مستوى الدوائر في كل السودان، حديث من الصعوبة لأن عملية الترشيح والفوز في هذه الدوائر الجغرافية تتحكم فيها الجهوية والقبلية والعلاقات الخاصة وغيرها من الأمور التي تتقاطع مع هذه التحالفات.

واسترجع د. البوني قائلاً لكن إذا تغير قانون الانتخابات القائم على الدوائر الانتخابية واعتمد نظام التمثيل النسبي في البرلمان في هذه الحالة تكون التحالفات سهلة بين الأحزاب لخوض الانتخابات، لكن في القانون الحالي يمكن للقوى السياسية أن تتفق في بعض الدوائر مثل التمثيل الفئوي، ودوائر الخريجين  أما غير ذلك يكون حديث أمنيات.

صعوبة التطبيق

وقطع أستاذ العلوم السياسية بكلية شرق النيل والمحلل د. عبد اللطيف محمد سعيد أن ما ذهب آلية رئيس التجمع الاتحادي حديث جيد في مضمونه ويساعد في تقليص الأعداد الكثيرة للأحزاب في السودان وحصرها في حزبين أو ثلاثة ببرامج واضحة ومؤسسة، لكن من الصعوبة تطبيقه على أرض الواقع في ظل وجود الكثير من الأحزاب العقائدية التي يوجد داخلها صراعات وخلافات تدور على أشدها وأقرب مثال الإسلاميون والشيوعي وكذلك الاتحاديين وحتى حزب الأمة جميعها لم يسلم حزب واحد منها فانتهى حالها للانقسام والتشظي.

وأضاف د.عبد اللطيف في حديثه لـ(الصيحة) بالتالي لا أعتقد أن هذه القوى ستتوحد في كتلة انتخابية لأن الإشكالية أن الجميع وحتى مستوى الأفراد يسعى للسلطلة بصفة شخصية وليس تطبيق الفكرة العامة للحزب، وهذا يظهر في ممثلي الأحزاب الآن في الحكومة الانتقالية ليس لأي من البرامج الحزبية، واضح كلها اجتهادات شخصية، وفوق هذا هناك أحزاب ليس لها برنامج واضح تتأرجح بين أقصى اليمين واليسار.

فهم مختل

وأكد د. عبداللطيف استحالة الاتفاق على مرشح واحد حتى بين الأحزاب ذات المرجعية الواحدة في ظل وجود الواقع القبلي والجهوي مضافاً إلى التطلعات الشخصية، وهذا مبعثه الفهم الخاطئ للديمقراطية داخل هذه الأحزاب بين القيادات والكوادر هناك رؤية مغايرة لأهداف الحزب المتعارف عليها ومصلحة الدولة، الموجود عندنا أحزاب تتحكم فيها العقائدية والأيدولوجيات بما يجعل الاتفاق بينها والتحالف صعبا نتيجة للفهم المختل للدمقراطية، فتجد السائد والمطبق برنامج الشخص وليس الحزب خاصة لدى الكوادر التي تتولى مناصب في الدولة.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى