“قبلنة” السياسة.. غياب العدالة وتعطيل القانون..!

تقرير- عبد الله عبد الرحيم

والبلاد تمضي بقوة نحو تحقيق هدف في مرمى ثنائية معضلاتها “الاقتصادية والسياسية”، بالاتفاق على تشكيل حكومة ربما لاقت إجماعاً كبيراً وجدت لها الحلول اللازمة، للخروج من نفق تلكم الصراعات إلى رحاب أوسع، حيث المنتوج السياسي والاقتصادي الدافع للتقدم.

لا يختلف اثنان على أن لجنة إزالة التمكين صادف عملها الكثير من التعقيدات السياسية التي وضعتها في كماشة الانتقادات تارة، وفي دوامة الصراعات الداخلية، حيث ابتعد عنها رئيس اللجنة الفريق ياسر العطا بعد بداية عملها في إزالة التمكين ووضع يدها على الكثير من مواضع اتهاماتها. ولكن أطراف داخل اللجنة وخارجها يرون أن اللجنة قد انحرفت عن أدائها العام إلى حيث الخلافات الشخصية بحسب رئيس اللجنة نفسه الذي رأى أن اللجنة مالت إلى تصفية الخصومات عبر مشروعيتها وشرعيتها التي نالتها من الثورة التي بأمرها تكونت للقضاء على مظاهر الفساد الذي ارتكب في العهد البائد وتصفية نظام المؤتمر الوطني وشخوصه.

ما بدا يظهر خلال الأيام الماضية من حراك قبلي عم الولايات والمركز بممارسة ضغوط على الحكومة ولجنة إزالة التمكين للتراجع عن قرارات اتخذت بشأن بعض القيادات في النظام السابق ينطلق من موقع قبلي، ما جعل البعض يدق ناقوس الخطر لهذا التحول الخطير في مجرى السياسة السودانية و”قبلنتها” على هذا النحو، في ظل هذه الظروف الاستثنائية وبالغة التعقيد الأمر الذي دفع مراقبين للتساؤل عن الجهات التي تقف وراء توجيه القبائل للدفاع عن منسوبيها في العمل العام الذين تجري محاكمات لهم عبر لجنة إزالة التمكين؟ فهل ممارسات اللجنة هي سبب هذه القبلنة وشرعنتها في كل ولايات السودان أم إن هناك جهات خفية تدفع هذه القبائل للقيام بهذه الوقفات لإحداث خروقات داخل هذه اللجنة وتوجيه العمل السياسي مستقبلاً؟، فمن يقف وراء ممارسات هذه القبائل؟

الشرارة الأولى

في بورتسودان طالبت تنسيقية الحرية والتغيير بالبحر الأحمر الوالي بتأمين الطريق القومي، وقالت في بيان تحصلت عليه “نادوس نيوز”، إن الأحداث الأخيرة المتمثلة في ردة الفعل على قرارات لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد التي اتخذت ضد أعضاء النظام السابق هي قرارات صادرة من لجنة مخول لها إصدارها وفق الوثيقة الدستورية وهي أحد متطلبات ثورة ديسمبر التي مهرها الشهداء بدمائهم الطاهرة ولا تتزحزح عن مواقفها قيد أنملة..

وفي الجزيرة أصدرت قبيلة الكواهلة بيانات طالبت خلاله بإطلاق سراح أبنائها فوراً “المعتقلون والموقوفون في السجون على ذمة التحقيق في قضايا مختلفة وإطلاق سراحهم فوراً وهم: د. عبد الرحيم العالم/ اللواء طيار أبو القاسم على / د. إبراهيم غندور/ عقيد مصطفى ممتاز”.. وهددت القبيلة باتخاذ إجراءات عملية على الأرض لأي طريق أو مشروع قومي موجود على أراضيها ولا عذر لمن أنذر. كما سير أبناء شمال كردفان تحت اسم (كردفانويون من أجل هارون) مسيرة طالبوا فيها الحكومة الانتقالية وإزالة التمكين بإسقاط التهم الموجهة ضد هارون وإطلاق سراحه فوراً.

وفي نهر النيل طالبت عمودية ومشيخة وأبناء الجعليين بضرورة إقالة والي الولاية على إثر اعتقال لجنة إزالة التمكين عمدة الجعليين في اتهام إزالة فساد تمكيني، وقد فتح هذا الباب أمام احتجاجات واسعة دخلت بعدها الولاية في اعتصام قبلي كبير ندد بالقبض على عمدة الجعليين ويطالب بإقالة والي الولاية إثر قيام إزالة التمكين بهذا الفعل.

وكان قد تم إطلاق سراح إبراهيم محمود نائب الرئيس السابق تحت ضغط قبلي بشرق السودان، الأمر الذي اعتبره بعض أعضاء لجنة إزالة التمكين بإنه مدعاة لإثارة القبائل ضدهم.

ضعف “قحت”

ويقول الأستاذ محمد جميل في مقال له نشر على صفحات “الاندبندت العربية”، إن ما يحدث في شرق السودان عبر خطابات بعض رموز المجلس الأعلى لنظارات البجا الانعزالية والإقصائية (الذي كنا نحذر منه من قبل في نفي حق مواطنية مكون من مكونات شرق السودان: بني عامر والحباب)، ظهر اليوم جلياً بحق مواطن سوداني بالتشكيك في أحقيته في أن يكون ذا منصب مهم (مقرر لجنة إزالة التمكين) في البحر الأحمر، ونفي تلك الأحقية فقط بوصفه ليس منتمياً لقبيلة من قبائل البجا! للأسف، حتى الآن هناك في شرق السودان من لا يريد أن يدرك أن مثل هذه الخطابات الانعزالية عبر بعض القيادات القبلية، هي شكل من أشكال الممارسات الخطيرة والمهددة لتماسك النسيج الاجتماعي والوطني من ناحية، وهي كذلك من الممارسات المخالفة لأسس دولة المواطنة والقيم التي نادت بها الثورة في الحرية والسلام والعدالة والكرامة.

ولعله من المؤسف كذلك القول إنه في حين تشهد هذه المرحلة تطوراً دولياً وأميركياً مهماً لصالح السودان ولصالح دعم المدنيين في المرحلة الانتقالية، فإن قوى الحرية والتغيير للأسف تبدو هي الآن الأبعد عن التقاط روح ومناخ هذه اللحظة المواتية لدعم الانتقال الديمقراطي في المرحلة الانتقالية، عبر ممارساتها القاصرة عن التعالي إلى أفق الوطن في هذه اللحظة الحرجة من عمر السودان، وبما عكسته “قحت” من ضعف واضح في إدارة السنتين الماضيتين من المرحلة الانتقالية. وأكد محمد أن “قحت” حتى الآن لم تطرح تصوراً مشتركاً لبرنامج إدارة المرحلة الانتقالية، وجل ما عرفه الناس أن كواليس “قحت” تستعر فيها المحاصصات الحزبية والمكاسب الفئوية الضيقة والتنافس غير الشريف من أجل المناصب، وغياب التقدير الدقيق لخطورة المرحلة التي تقتضي برنامجاً يتجاوز السقف الحزبي ويطرح برنامجاً مشتركاً ومقنعاً للشعب السوداني، سواء من حيث أهدافه الواضحة، أو من حيث الشخصيات الوطنية المسؤولة.

فلول الوطني

وأكد أن الذين يشيعون مثل هذه التصرفات هم فلول من النظام البائد وما لم تواجه “قحت” حراكهم الظاهر، بحسم وقوة هيبة الدولة، فإن تفاقم الأوضاع لا يبشر بخير، لأن السيولة الأمنية التي يشهدها السودان، سواء عبر عمليات “شد الأطراف” التي تحدث بين حين وآخر، أم عبر تحركات فلول النظام عبر قناع القبائل، ستتواصل طردياً كلما تقاصرت “قحت” عن الاستجابة الحاسمة، وعجزت عن فرض هيبة الدولة.

غياب القانون

ويرى المحلل السياسي بروفيسور علي عيسى عبد الرحمن لـ(الصيحة)، أن ظهور هذه الممارسات في هذه اللحظة عبارة عن تراكمات تعود لعهد الإنقاذ، حينما قامت باعتماد العمل القبلي كأساس للممارسة السياسية وحشد القبائل، وأن الإنقاذ في ممارساتها الخاطئة جعلت الأمر يقوم على القبيلة بدلاً من الكفاءة. وأكد عيسى أن هذا الأمر جعل أمر القبيلة يطغى على الممارسات السياسية وتغذت هذه المسألة تماماً بغياب القانون وغياب المحكمة الدستورية، وغلب هذا الجانب التشفي البارز الذي تمارسه لجنة إزالة التمكين. وقال إن هذا الأمر كان الدافع لإثارة النزعة القبلية وممارسات قحت شرعنت القبلية وجعلتها أنجع الوسائل لتعطيل القانون وأنجع الوسائل للمحاصصة، وهذا يعبر عن أزمة الممارسات السياسية في الراهن اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى