د. الصاوي يـوسف يكتب : إعادة السكة حديد

النقل عبر السكة حديد معروف بأنه أقل تكلفة وأفضل كثيراً من حيث الجدوى الاقتصادية، من النقل البري باستخدام الشاحنات. فهو بالإضافة إلى توفير الوقود بنسبة أربعة إلى خمسة مرات، فإنه يقلل كثيراً من زحام الطرق، واستهلاكها. فالقطار الواحد يحمل ما يعادل حمولة ما بين خمسة إلى مائة شاحنة كبيرة. وأفضل وضع للتشغيل هو في المسافات الطويلة والحمولات الكبيرة. وفي بلاد السودان الواسعة المترامية الأطراف، فإن القطار هو بالفعل وسيلة النقل الأفضل للبضائع، من وارداتٍ تتجه من الميناء إلى مختلف مدن الداخل، وصادراتٍ تتجه من مختلف بقاع البلاد إلى المطار والميناء.
وقد فعلت وزارتا المالية والنقل خيراً بتوقيعهما على اتفاق لتوريد قاطرات جديدة من الصين. وإذا ما اجتهدت وزارة النقل وإدارة السكة حديد في صيانة وتجديد الخطوط، وصيانة واستجلاب المزيد من عربات الشحن والقاطرات، فإن البلاد موعودة بعائدٍ اقتصاديٍ ضخم، ينتج عن تشغيل خطوط السكة حديد الشهيرة، من بورسودان إلى الخرطوم، ومن الخرطوم إلى نيالا، والأبيض، وحلفا، والدمازين. حاملة طرود وحاويات الواردات، وناقلة للمنتجات الزراعية والحيوانية والبضائع وغيرها، ليس فقط لمدن السودان الداخلية، بل أيضاً لدول الجوار مثل تشاد وإثيوبيا والجنوب. وربما أمكن إعادة قطارات الركاب لتعمل في الخطوط الطويلة، فخدمات الطيران ما تزال محدودة عندنا، والسفر بالسيارات تزداد تكلفته، العالية أصلاً، باستمرار بسبب الزيادات المطردة في تكلفة الوقود والصيانة والتشغيل، كما أنه ليس أسرع كثيراً من القطارات الحديثة، وفي السودان فإن حوادث السيارات تعتبر أحد أهم أسباب الوفاة والإعاقة والأذى الجسيم، بسبب الحوادث المرورية المتكررة، التي يروح ضحيتها قرابة الثلاثة ألف نفس سنوياً، وأكثر من ثلاثين ألفاً من الجرحى والمعاقين. وفي أغلب دول العالم، لا يُسمح بسفر البصات للمسافات التي تزيد عن ساعتين أو ثلاثة إلا في الأحوال الاستثنائية.
ورغم دخول بعض الشركات الخاصة في تشغيل النقل عبر السكة حديد، فإن الاستثمارات الضخمة المطلوبة، تجعل من إعادة إحياء وتشغيل السكة حديد بكامل طاقتها الكامنة، عملاً أساسياً من أعمال القطاع العام، تستثمر فيه الدولة استثماراً طويل الأجل، وتهدف من ورائه إلى تحقيق نهضةٍ اقتصاديةٍ شاملة، تشمل قطاعات التجارة الداخلية، والصادر، والنقل العابر إلى دول الجوار، وتخفيف الضغط على ميزانية صيانة الطرق، وتحقيق الربط بين أطراف البلاد بما يجعل متوسط الأسعار متقارباً بين مختلف الولايات، إذ تعاني الولايات البعيدة حالياً، كولايات دارفور، من الارتفاع الكبير في أسعار السلع، والفارق الكبير بينها وبين أسعار الخرطوم، بسبب بعد المسافة وبالتالي تكلفة النقل والترحيل.
على الدولة فعلاً أن تخرج من موضوع تجارة الدقيق والوقود وغيرها، مما يسبب فساداً كبيراً ويستنزف الميزانية بالدعم والهدر، ويتسبب في الأزمات المتكررة والصفوف والتهريب، وعليها التركيز على مشروعات البنية التحتية الكبرى كالسكك الحديد والمطار الجديد وربط المناطق المعزولة بالطرق والجسور، والتركيز على تشجيع وتحريك الإنتاج، عبر توفير مدخلاته، كالآلات والمعدات الزراعية، والأسمدة، والتمويل الزراعي. لقد سمعت أن المعدات الزراعية معفاة من الجمارك، وعندما استوردتُ مضخةً زراعيةً صغيرة ثمنها 150 دولاراً، دفّعوني ما يعادل 450 دولاراً رسوماً مختلفة!
على المالية أن تركز على تشجيع الإنتاج، فهو المخرج من اقتصاد الفقر و”الشحدة” وانتظار المعونات، بدلاً من تركيز سلطات الجمارك على تحقيق الربط بالزيادة، للحصول على حافزٍ تافهٍ يكون سبباً في عزوف الناس عن العمل والإنتاج.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى