في حضرة أستاذي الجليل

في مُنتصف تسعينيات القرن الماضي، كُنّا مجموعة من أبناء عائلتنا الكبيرة ونحن طلاب بالجامعات المُختلفة، نُقيم في منزل خالنا الحبيب والقطب المريخي الشهير يوسف زين العابدين بالخرطوم بحري حلة حمد، والذي فَتَحَ لنا داره وقلبه في آنٍ واحدٍ، كانت مجموعتنا وقتذاك تتّخذ ركناً قصِيّاً من منزله العامر بالضيوف والكرم الفيّاض، وكُنّا نحتفي بالضيوف ونفرح بهم أيّما فرح، إلا أنّ زيارة الحبيب عثمان الهادي حاج عمر كانت ذات طَعمٍ خَاصٍ، فهو موسوعة معرفية، وصاحب خفشات طريفة، وكان يحدثني عن قضايا الإعلام، وكيف للصحفي أن يرسم خطاً تحريرياً واضحاً لمسيرته التي يتوجّب أن تكون مُستقلة، وقد تعلّمت منه الفرق بين الحياد والاستقلالية في الصحافة، كما تعلّمت منه كيف يتم التخطيط للتغطيات الميدانية والتحقيقات الاستقصائية وهذه مهارات لم ندرسها بالجامعات، كما كان يناقش أقربائي في اختصاصاتهم المُتعدِّدة في الهندسة والميكانيكا وقضايا الدين والسياسة والمُجتمع بأسلوبٍ سلسٍ وساخرٍ وعَميقٍ، بذات العُمق الذي تناوله معي حول قضايا الإعلام، إضافةً لربط تلك العلوم بالحياة وتطويرها، لذلك كانت زياراته لنا ذَات وَقعٍ خَاصٍ نفصل بعضها في وقت لاحق بإذن الله.
عثمان الهادي أول من أخذ بيدي وقادني لأكبر مؤسسة صحفية بالسودان وقتها (السودان الحديث)، وعرّفني بقامات إعلامية رسمت ملامح شخصيتي الصحفية، منهم الأستاذ البدوي يوسف وهو الآن بدولة قطر، والأستاذ إسماعيل آدم نائب مدير قناة الجزيرة مكتب الخرطوم، والأستاذ الراحل زكريا حامد، وغيرهم من كبار الصحفيين وقتها، وظلّ يتواصل معهم حتى تم تعييني بـ”ألوان”، التي خرجت منها سكرتيراً للتحرير.
لذلك أقول بأنّ عثمان الهادي تربطني به علاقة أخرى هي علاقة الأبوة المهنية والأستاذية وهي أرقى العلاقات الإنسانية، وهو ما أتشرّف وأفخر به واجعله قلادة على عُنقي.
في فترة النظام البائد، ترك عثمان الصحافة، لأنه كان يحلم بواقعٍ جديدٍ تقوم فيه الصحافة بواجبها، وكان يُردِّد لا صحافة بلا أخلاق، ولا نجاح بدون تطوير الذات، ويرى الفشل في تقليد الآخرين والاتكال عليهم، وضرورة التجرد التام من كل الأهواء والانتماءات العرقية والدينية والقومية.
*أفق قبل الأخير
أكثر ما أوصاني به أستاذي عثمان الهادي أن أتمتّع بالثقة العالية مع الراحة النفسية عند إجراء المُقابلات مع مختلف الأشخاص، التفكير بسُرعة، النقد البنّاء، وقد لاحظت أن تلك هي صفاته ومنهجه في الحياة.
*أفق أخير
رحمك الله أستاذي الجليل وأنت في عليين مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى