كورونا والاقتصاد

 

نسمع الكثير عن انهيار أسواق الأسهم في العالم الغربي، وعن تدهور الاقتصادات حول العالم بسبب فيروس كورونا. وأخشى ما أخشاه أن يكون شعورنا تجاه ما يجري هو نفس شعورنا تجاه مرض كورونا، وكأنه مرض خاص بالصين وإيطاليا ولن يصل إلينا، أو شعورنا في العام 2008 بأنّ الأزمة الاقتصادية العالمية لن تُؤثِّر علينا لأننا أصلاً في عزلة عن العالم، أو شُعورنا عام 2011 بأن انفصال الجنوب لن يؤثر على اقتصادنا.

فحتى لو لم تنتشر كورونا عندنا، ونسأل الله تعالى ألا تنتشر، فلا طاقة لنا بعلاجها، ولا ثقافة عند أهلنا للوقاية منها، حتى لو لم تنتشر عندنا، فإنّ آثارها الاقتصادية قادمة لا محالة. وهي آثار كبيرة وعَميقة وجذرية. هي في الحق تحوُّلٌ كاملٌ في مسار اقتصاد أغلب دول العالم إن لم يكن كلها.

فبجانب التغييرات في توجُّه الدول من حيث اقتصادها السياسي، ودرجة تدخل أو حتى تحكم الدولة في مسار الاقتصاد، بل وفي درجة تحكُّم الدولة في تنظيم المجتمع وآليات اتّخاذ القرار ونظام وهيكلة السُّلطة فيه، إذ لن تبقى النظم الديمقراطية كما هي، ولن تستمر الأحلاف الاقتصادية كما هي، بجانب كل ذلك، فإنّ الركود الاقتصادي المُتعدِّد العوامل آتٍ لا محالة. فبجانب الركود الهيكلي الدوري، الذي حان أوانه بعد آخر أزمة اقتصادية كونية عام 2008، فهُناك الآن الرُّكود الكبير الناجم عن توقُّف حركة الإنتاج والتجارة والأسواق، وتوقُّف السفر والتبادُل وحتى المُؤتمرات والمَعارض والاجتماعات. إن الخسارة الكلية المُتوقّعة من جائحة كورونا تفوق التريليون دولار أمريكي. وتُخطِّط السُّلطات الأمريكية وحدها الآن لضخ تريليون دولار في خطة لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي. وخسرت الصين وحدها ما يزيد عن 200 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، ويتوقع أن تصل خسارة السوق الأوروبية بما فيها بريطانيا، مبلغاً يقرب من 100 مليار دولار.

من الناحية الأخرى، وبعيداً عن كورونا، فإن الصدفة جعلت انهيار أسعار النفط مرة أخرى، يحدث في نفس الوقت الذي تعم فيه مصيبة كورونا. وقد خسرت دول الخليج وحدها حوالي 11 مليار دولار، منذ الانهيار الأخير بسبب حرب الأسعار المُشتعلة بين السعودية وروسيا. ويتوقّع المزيد من انهيار الأسعار نسبة لتشبُّع السوق وزيادة المخزون ونقصان الطلب بسبب كورونا.

إنّ مجموع هذه العوامل يعني أنّ اقتصاد العالم كله سيكون في أزمة حقيقيّة وخانقة. والسُّودان، الذي توقّف فيه الإنتاج على قلته منذ ديسمبر 2018، والذي يعتمد في ميزانيته على المعونات والهبات والقُروض بنسبة تزيد عن النصف، سيكون من أكبر ضحايا هذه الأزمة. خاصةً أننا نُعاني مُسبقاً من مشكلات قلة الصادر، وعدم عودة حصائله، وكثرة الواردات التي لا يحكمها نظام ولا أولويات، والدعم الحكومي للأسعار الذي يصل إلى 3 مليارات دولار وقد يزيد.

إنّ الكثير من الدول سوف تعود إلى اقتصاد الاعتماد على الذات، وهو اقتصاد مغلق لا يعتمد على التجارة الدولية والتبادل والصادرات. والسودان أولى الدول باتّباع تلك السياسة. ذلك أنه لا يملك أصلاً احتياطياً كافياً من العُملات الصعبة، ويُعاني من عجز مهول في ميزانه التجاري.

على الشعب السوداني أن يستعد لعدة سنوات من الحياة بلا غذاء مُستوردٍ، خاصة دقيق القمح الأبيض، وبلا ملابس مُستوردة، وبلا سيارات جديدة. وعلى الحكومة المُسارعة باتّخاذ الإجراءات اللازمة لوقف النزيف المهدر، من العُملات القليلة الموجودة، والتوجُّه لدعم الإنتاج المحلي ووقف جميع أنواع الواردات إلا الضروري كالدواء والآلات الزراعية.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى