د. الصاوي يـوسف يكتب : الانتخابات الأمريكية

 

ستجرى الانتخابات الأمريكية في الثالث من نوفمبر القادم، وبعد شهر بالضبط من الآن سنكون على بينة: من هو الرئيس الأمريكي للأربع سنوات القادمة. فإذا فاز ترمب بدورة ثانية، رغم أن ذلك يبدو مستبعداً وفقاً لاستطلاعات الرأي الحالية، فالمتوقع أن تعمل إدارته على مواصلة رفع العقوبات عن السودان، خاصة إذا قررت الإدارة خلال هذا الشهر شطب السودان من قائمة الإرهاب. أما إذا فاز بايدن، ورغم قراره المسبق بإلغاء حظر  دخول مواطني الدول الإسلامية لأميركا، وحديثه الإيجابي عن الإسلام واستخدامه لتعبير “إن شاء الله” في تغريدته قبل أيام، إلا أن تاريخ الديمقراطيين مع السودان هو تاريخ عدواني في أغلبه، ما لم يتغير ذلك الآن بعد سقوط الإنقاذ.

ولكن ما يهمني في الانتخابات الأميركية ليس من يفوز فيها، لأنهم مثل أحمد وحاج أحمد. وكل الإدارات في كل الدول، إنما نتعامل معها وفقاً لحسن إدارتنا، أو سوئها، لعلاقاتنا الخارجية، ومقدرتنا على تعظيم مكاسب بلادنا أو فقدانها وفقاً لذلك. ما يهمني هو هذه الانتخابات نفسها، كعملية ديمقراطية، للتبادل السلمي للسلطة في أعظم بلاد العالم اليوم. ويمكننا تعلم الكثير من هذه التجربة. فنحن دولة متعددة الإثنيات والأعراق مثل أميركا تماماً، ونحن أيضاً خضنا حروباً أهلية متطاولة منذ الاستقلال، بل قبله، لأننا لم نتمكن من إدارة نظام الحكم في البلاد بما يرضي كل الأطراف.

نتعلم من الانتخابات الأمريكية أن النظام الرئاسي هو الأنسب لبلادنا. ففي بلد كبير ومتنوع مثل السودان، لا تصلح المنافسة الحزبية وحدها، ببرامجها الفضفاضة وقياداتها المتعددة وصراعاتها الداخلية وصورتها المهزوزة، لا تصلح لكي يحسم الناخب أمره، ويتحمل رئيس الوزراء المنتخب من داخل البرلمان، مسؤوليته الفردية أمام الناخبين. وهذا هو ما أقعد حكومات ما بعد الاستقلال المنتخبة كلها في الفترات التعددية، وجعلها عرضة للتلاعب وبيع المواقف وإسقاط الحكومات من داخل الجمعية، وأدى إلى عدم الاستقرار السياسي الذي نتج عنه زهد المواطن في الحكومات الحزبية، ونتجت عنه 3 انقلابات ناجحة.

ونتعلم من الانتخابات الأميركية أيضاً ذلك  النظام الداخلي لدى الأحزاب الأميركية، وهو نظام الانتخابات التمهيدية لتحديد مرشح الحزب. ذلك أن الترشيح ليس أمراً خاصاً بقيادة الحزب وحكراً على البابوات الكبار في قمته، بل هو أمر مفتوح لكل من يريد أن يترشح من عضوية الحزب، ويتم حسم الأمر عبر انتخابات حرة تشارك فيها كل عضوية الحزب، مثلها مثل الانتخابات العامة، والفائز من هذه الجولة التمهيدية هو الذي يعتمده المؤتمر العام للحزب مرشحاً عنه، ويدعمه المرشحون الذين كانوا منافسين له بالأمس، كما حدث عندما دعمت هيلاري كلينتون المرشح أوباما عقب فوزه عليها في التمهيدي، واعتماد ترشيحه من مؤتمر الحزب الديمقراطي. ثم جاء بها وزيرةً لخارجيته بعد فوزه.

ونتعلم منهم هذه المناظرات المتلفزة التي توضح بالضبط الفرق بين برامج المرشحَين. فمدير الحوار، ومن ورائه لجنة أو مفوضية مقتدرة، يقوم بإعداد المَحاوِر والأسئلة، التي يسمع الناخب من خلال الإجابات عليها، تحديداً واضحاً لموقف كل مرشح منهما. مثل سؤال الضرائب، أو الموقف من حرية الإجهاض وزواج المثليين، والهجرة وغيرها. وعندنا في السودان نحتاج لمعرفة موقف المرشح من قضية الفدرالية الحقيقية والحكم المركزي، وقضية الحريات الدينية والقوانين المستمدة من الشريعة، وإدارة التنوع، والتعامل مع العالم الخارجي، خاصة مسألة المحاور، والتطبيع، وقضايا الدعم والخصخصة وغيرها.

لا يهمنا كثيرا، ولا يحدث فرقاً يذكر، مَن يفوز في الانتخابات الأميركية. ولكن يهمنا جداً أن تُجرى عندنا انتخاباتٍ مماثلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى