الكورونا والأيدز

 

الكورونا وباء يُصيب الجهاز التنفسي، فيكتم على النفس ويتلف الرئة، ولا يستطيع عطار الطب أن يصلح ما يفسده فايروس هو صغير دقيق، ولكنه يتمكن في أهم أجهزة الجسم الحيوية. أما الأيدز فهو وباء يصيب جهاز المناعة، فيصبح المريض عرضة لأمراض بسيطة وسهلة الشفاء لدى أصحاب المناعة القوية، تؤدي لموته ببساطة لأنه مشلول عاجز، كالذي ينظر إلى جسمه يأكله النمل وهو غير قادر على الحركة أو المقاومة.

أما الكورونا والأيدز الفيروسية، فسهلة ومقدور عليها. وأما ما أصاب الحياة في السودان، فهي كورونا سياسية وأيدز انتهازي لا يداني خطره وباء مهما عظم. فقد تخلت أجهزة  المناعة في الدولة السودانية، وهي القوى العاقلة، والمنظمة، والعريقة، خاصة القوى العسكرية النظامية، تخلت عن الدولة وعن الناس. وسلمت أمرها وأمرهم إلى فايروسات قادمة من وراء التاريخ، لا تعرف ديناً ولا خلقاً ولا أصولاً سودانية ولا أعراف “أولاد القبايل” ولا تملك من المروءة الإنسانية شروي نقير. وانتشر فايروس الكورونا عبر الوسائط الإسفيرية، ينشر الابتذال والانحطاط والمنكر والتخلف، ويداهم في مسيرته كل قيم الخير والجمال والإيمان، وكل إرث المجتمع، وأعرافه، كل الآداب والعلوم والفنون، وكل معاني الإنسانية والتقدم، ويقدم بدلاً عنها هذه الهرجلة التي نراها ونسمعها، وهذا الإسفاف الذي كتم على رئة البلاد، وأصاب الملايين من الأبرياء، ولا علاج له ولا حجر صحي ولا وسائل مكافحة فعالة.

انزوى الخيرون، والعقلاء، والحكماء، وساد الرجرجة والغوغاء، وغلبت كثرةُ الغثاء الطافحة قلةَ التبر الكامنة تحت الحجب والزّبد. وبلغت الروح الحلقوم، ولم يبق لإعلان وفاة السودان إلا وجود طبيب جريء يصدر شهادة الوفاة، وينعى للناس بلاداً كانوا يحلمون بها حتى قبل شهور قليلة.

انطفأ الأمل الذي كان مزهراً، وذبل الحلم الذي كان يملأ قلوب الشباب ويضوي في وجوههم، وراحت السكرة الجميلة وجاءت صحوة الموت بالحق، ذلك ما كنا منه نحيد. تأكد القوم الآن أنه لا منقذ يأتي من السماء، ولا منح مليارية تأتي من دول الغرب، ولا مليارات منهوبة موجودة في مسيد الصايم ديمة، نسدد منها الديون ونصرف منها للشعب حتى يعيش في بحبوحة أبدية. وتأكد لنا أنه لا ملائكة تأتي في العهد الجديد تختلف عن شياطين العهد البائد، ولا كفاءات وخبرات تأتي لتحل محل الجربندية والفهلوية أهل التمكين.

ربما لم يكن أغلب الشباب موجوداً يومئذ، ولكننا مررنا بشيء مثل هذا من قبل. ففي أعقاب ثورة أبريل وإزالة حكم النميري، كان الناس أيضاً يحلمون بالغد السعيد والعهد الجديد، وفي شهور قليلة، وصلوا مرحلة “إن شالها كلب ما في زول بقول ليهو جر”.

تلك كانت نوعاً من السل البطيء المضعف للجسم. أما هذه فهي الكورونا السريعة والأيدز القاتل. ولا ندري إن كانت قوى المجتمع المنظمة والحية قادرة على تدارك الأمر أو أن شبابنا سوف ينهض ويقاوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى