وكالة تشغيل الخريجين

 

د. الصاوي يـوسف  يكتب :

 

هي بالأصح وكالة لتشغيل كل العاطلين عن العمل، سواء تخرجوا من الجامعات أو المدارس المختلفة. كان ينبغي أن تكون هذه الوكالة هي أولى مهام حكومة الثورة، وأولى مواد الوثيقة الدستورية. فمشكلة السودان الاقتصادية سببها ليس قلة الموارد الطبيعية ولا الأيدي العاملة، بل قلة توظيف هذه الأيدي لاستثمار تلك الموارد.  ومشكلة السودان السياسية هي غبن ناتج عن الفقر والعطالة و”عدم الشغلة” يجعل الجميع يتفرغون للسياسة والنقة والمعارضة والتمرد، ويجعلهم عرضةً للاستغلال من قبل محترفي السياسة رافعي الشعارات الكاذبة والمتاجرين بدماء وعرق وأرواح الشباب.

مهام الوكالة هي أولاً تسجيل جميع الباحثين عن عمل، وتصنيفهم وفق العمر والمؤهل والتخصص ومكان الإقامة، مع تحليل للوضع الاجتماعي كعدد أفراد الأسرة، ومتوسط دخل العاملين فيها، والحالة الاجتماعية من زواج أو يتم أو ترمل الخ. وثانياً تقوم الوكالة ككل وكالات التخديم والتشغيل في العالم، بتدريب الشباب على طرائق العمل في الاقتصاد الحديث، مثل إدارة المكاتب والعمل في فريق، ونظم ولوائح الخدمة و هياكلها،  وتدربهم على طريقة إجراء معاينات التوظيف، وكيفية إعداد السيرة الذاتية  وغيرها، كما تقوم بتدريب الراغبين في إنشاء مشروعات خاصة على كيفية عمل دراسات الجدوى وكتابة خطط الأعمال، وكيفية إدارة المشروعات الخاصة، وأسس التسويق والمحاسبة ومسك الدفاتر، وتكوين وإدارة فرق العمل، وطرق التسويق وإعداد المنتجات للصادر وغير ذلك. كما يمكن أن تتولى التدريب التحويلي للشباب الراغبين في اكتساب مهارات تلائم سوق العمل، كالحرف التقنية ومهارات الحاسوب والترجمة وغيرها. وثالثاً تقوم الوكالة بعمل مواءمة بين طالبي الوظائف وبين الباحثين عن موظفين من مؤسسات القطاع الخاص، فتقوم بترشيح المؤهلين منهم للوظيفة المعينة بحيث تجرى لهم معاينات لاختيار الأنسب، دون الحاجة للمرور بمرحلة الإعلان في الصحف وغيرها، مما يوفر على الطرفين مالاً وجهداً وزمناً  كبيرا. ورابعاً تقوم الوكالة بإعداد دراسات جدوى للعديد من المشروعات الصغيرة في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات، وتقوم بدور المستشار للشباب الراغبين في بدء مشروعاتهم الخاصة، فيختارون المشروع المناسب، ويكوّنون فريقاً من الشركاء والعاملين، ويؤسسون شركة تقوم بالبحث عن التمويل والمدخلات والمعدات المطلوبة، وإنجاز المشروع. وخامساً تقوم الوكالة بإنشاء محفظةٍ للتمويل تشارك فيها الحكومة والبنوك والقطاع الخاص، وتدار بآلية مشتركة بينهم، وذلك لتولي تقديم التمويل الأصغر لمشروعات الشباب التي تشرف عليها الوكالة. إن مثل هذه الطريقة يمكن أن تكون أساساً لنشأة عدد كبير من مشروعات الخدمات (كالمواصلات والنقل والتعبئة والتصدير والمطاعم والمقاهي والفنادق الصغيرة والنفايات الخ) ومشروعات الإنتاج الزراعي والحيواني، والصناعات الصغيرة (كالصناعات الجلدية والملابس والأثاث والبلاستيك ومواد البناء وإعادة تدوير المخلفات الخ) في مختلف مدن وولايات البلاد، والتي تستوعب أعداداً كبيرة من الأيدي العاملة، وتسد حاجةً كبيرةً في السوق، خاصةً في مجال إحلال الواردات، وتوفرُ سلعاً للصادر وجلب العملات الصعبة، وتخفف الضغط والاحتقان الذي نراه في الشارع الآن من شبابٍ عاطل يتسلى بلعب دور الثائر و”لجان المقاومة” وإغلاق الطرق ووقود الصراعات القبلية والسياسية.

إن قطاع الأعمال الصغيرة هو المحرك لكل الاقتصادات، حتى الاقتصادات العظمى  مثل أمريكا، وتشغيل الأيدي العاملة هو أول أهداف الاقتصاد الكلي في كل البلدان. وفي حكومة الثورة، يجب أن يكون أول وأهم الأهداف هو تشغيل الشباب وتحريك الاقتصاد الإنتاجي، وإشعال الحماس في كل البلاد وكل أفراد الشعب، وتعبئة كل الطاقات والموارد، عسى أن تشتعل الحقول قمحاً ووعداً وتمني، ونخرج بالإنتاج من هاوية الحاجة والفقر وانتظار الإغاثات والمعونات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى