قانون (كيري) التعسفي..!!

 

يحكى أن أحد الأدروبات اتهم بسرقة فلنكة سكة حديد وجيء به إلى المحكمة وهو يرتدي زيه المميز بالسديري و(مشنق)  الطاقية فنهره القاضي بصيغة عنيفة قائلاً: (أدروب احترم المحكمة ورجع الطاقية لورا)،  فرد أدروب بسخرية:( الطاقية برجعها يا مولانا ولكن إنشاء الله تلقوا الفلنكة تحتها).

سقت القصة المتداولة لأعلق على الجهد الذي بذلته قوى الحرية والتغيير وظهيرها السياسي والقانوني لإصدار قانون سياسي معيب لتفكيك نظام الإنقاذ 30 يونيو1989م ومن ثم الخطاب السياسي والإعلامي الذي صُمّم من محتوى وروح هذا القانون، وهو واضح أنه يمثل الخطوة المقصودة لذاتها كي تصبح مادة سياسية وإعلامية مهضومة للشارع الذي بدأ يخرج من يدهم ويهاجمهم ويثور عليهم.

إن الذي أجيز مساء الخميس هو مشروع قانون، ولكن (قحت) ركزت على قضية حل حزب المؤتمر الوطني كخطاب سياسي تهييجي أكثر منه حديث موضوعي، لأنهم يدركون سلفاً أن المؤتمر الوطني  يعتبر عملياً محلولاً منذ 11 إبريل 2019م، وقتها تم الاستيلاء على دوره وممتلكاته والتحفظ على قياداته الفاعلة، ولذلك نقول لقيادات (قحت) ها هو القانون قد صدر في مراحله الأولى واعتبروا أنفسكم وأنكم حليتوا المؤتمر الوطني، نأمل أن تجدوا بصات المواصلات ودقيق الخبز والجازولين وكل ما يحتاجه الشعب من ضرورات تحت طاقية الوطني المحلول لتأتوا للشعب المغلوب على أمره بالمنِّ والسلوى ومعروف ان كل مكونات (قحت) السياسية  التي تعاني أبشع حالات الفشل الآن كانت في الماضي قد خاضت الحروب السياسية الخاسرة  وشاركت في كل الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد، وإذا كان انقلاب 89 جريمة يعاقب عليها القانون، فيجب فتح كل ملفات الانقلابات العسكرية لمحاسبة العسكريين والمدنيين الذين شاركوا فيها.

“القحتاويون” اجتمعو أمس لمدة (14) ساعة ليس من أجل المواطن وقضاياه التعليمية والصحية الحية والخدمية الملحة، ولكن من أجل عزل حزب سياسي يخشون منازلته ميدانياً أمام الشعب، اجتمعوا وتشاكلت قلوبهم على قرار عزله دون النظر إلى قيمة الحزب في مفردات القرآن ومعانيه الترابط المنظم للمجتمع  يفككونه بطريقة لا تناسب شعارات المرحلة التي تدعو لوحدة الصف والكلمة، ولا تتناسب مع حقوق الإنسان وحرياته الأصيلة، هؤلاء يتآمرون على المؤتمر الوطني وهم يفشلون في تقديم رؤية سياسية موحدة حتى يخاطبوا بها الشعب ليلتف حولهم.

كنت أظن أن أجندة اجتماع الـ (14)  ساعة ستكرس لصناعة قوانين وتشريعات لمحاربة الفساد بكل سلوكياته وضرب المفسدين بعصا من حديد، بدلاً من هذا الجدل الذي لا يفيد، كما أنني أرى أن قوى إعلان الحرية والتغيير في الغالب تضم أبناء الطبقة البرجوازية، ولا تبدي اهتماماً بالجماهير، لأنها تهتم بفئة قليلة ومعينة، لذلك سعت لإرضائهم بإلغاء قوانين النظام العام وقانون تفكيك النظام، حتي تثير العشم وسط عوام الشباب وتزرع فيهم الأمل بتسكينهم في وظائف حكومية، وتحقق رغبات الطبقة المترفة، ولذلك أتوقع أن تستمر “قحت” في تمرير كثير من القوانين في غياب الشعب ومن يمثله (البرلمان) وكتله الحزبية، لأنها تخشى أي مواجهة وتفاعل سياسي وهذا المنهج متبع عند القيادات السياسية والتنظيمات السياسية خارجية التكوين والنشأة كحالة قيادات (قحت)، وظهور هذا النوع من التحالفات السياسية يعتمد بصورة أساسية على ما يسمى بتجمعات المهنيين والنقابات والاتحادات، لذلك من الملاحظات أن القانون صمم بهدف وضع اليد على هذه الاتحادات والنقابات المهنية تحت مسوغ النص القانوني الذي يصنفها واجهات للنظام السابق لتسهيل مهمة اقتلاعها هرباً من الاقتراع الشعبي وقيوده المرتبطة بالعضوية وغيرها، وإعطاء نفسها مهلة لاستقطاب الجماهير تحت مسوغات مالية واجتماعية وإغراءات بغية تحقيق غاياتها والتخلص من حالة الهشاشة الداخلية التي يعانيها مكون قوى الحرية والتغيير ونفور الشعب وعدم التزامه بمبادئها، هذا فضلاً عن ضعف الخبرة وعدم القدرة على تنظيم حملات سياسية مقنعة بما يمكنها من كسب الأصوات في معركة انتخابية حرة والوصول إلى كراسي الحكم.

نختم بأن إجازة قانون تفكيك النظام السابق بدون شرعية برلمانية وشعبية يطعن في الوثيقة الدستورية وتعتبر إجازته بالشرعية الثورية انتقاصاً من قدر الوثيقة ونكوصاً عن عهد الاتفاق عليها مع المكون العسكري صاحب الفضل في التغيير نتيجة انحيازه لخيارات الشعب، وهذا خطأ قاتل ومعيق لنمو الديمقراطية ومؤسساتها، وآمل أن يتوقف المكون العسكري في هذا الأمر ويحسم أمره بموقف واضح حتي لا تمرر الأحزاب والنخبة أجنداتها السياسية وسمومها وتصفي حساباتها من تحت قدمي المكون العسكري ويكون صمت العساكر سبباً في العودة للدائرة الجهنمية الخبيثة التي لازمت مسيرة الوطن خلال الـ (63) عاماً الماضية، وكان المتوقع أن نتخلص منها في مرحلة ما بعد الثورة والتغيير، ولكن يبدو أن الكثيرين داخل (قحت)  مصممون على ممارسة الإقصاء واجتثاث الآخرين، وهذه النقطة إذا اكتملت ستورد البلاد موارد الهلاك، وستعصف باستقرارها كما عصفت باستقرار دول كثيرة من حولنا.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى