قرارات 25 أكتوبر: الاقتصاد في (12) شهراً.. خسائر بلا معالجات

 

الخرطوم- جمعة عبد الله. 25اكتوبر 2022 م

يوافق اليوم 25 أكتوبر، مرور عام على إجراءات الجيش التي أسماها “تصحيح المسار” فيما تسميها المعارضة بأنها “انقلاب”، وبعيداً عن جدل التسمية فإن الاقتصاد السوداني كان الخاسر الأكبر من هذه الحقبة، وزادت حدته واستعصت الأزمات عن الحلول، نتيجة للتشوُّهات التي ظهرت و لا تزال تشكل حجر عثرة أمام تحقيق تطلعات الشعب لحياة كريمة تلبي رغباته واحتياجاته، والتي أصبحت لا تتجاوز هموم بحثه نحو تأمين معيشته في ظل الواقع الاقتصادي الذي زادت تعقيداته مقارنة بالسابق، ويرى مختصون أن قرارات “25 أكتوبر” ألقت بظلال سالبة على الوضع الاقتصادي بشكل أصبح لا يطاق بالنظر لتضاؤل النشاط الإنتاجي العملي بكل مستوياته، مع تصاعد وتفاوت أسعار السلع والخدمات وغياب الرقابة ومحدودية الإنتاج، وهي جميعها تشكِّل سمات بارزة في المشهد الاقتصادي.

محصلة عام

وعلى مدار عام من الفراغ الحكومي وتولي الجيش مقاليد إدارة البلاد، يرى خبراء اقتصاديون أن المشهد الاقتصادي يسوده التعقيد ولم تحقق أيٍّ من المكاسب الاقتصادية بعد إجراءات 25 أكتوبر، بل تعقيدات متتالية في كافة المناحي الاقتصادية، ويرى البعض أن مؤسسات القطاع الاقتصادي عجزت عن القيام بدورها كما ينبغي، فكانت المحصلة النهائية مزيداً من التدهور في معاش الناس. ويفيد آخرون أن إجراءات 25 أكتوبر، قلبت الموازين رأساً على عقب، فقد فقدت البلاد الدعم الخارجي، والمساعدات المتمثلة في إنشاء المشاريع، وتقديم المنح والقروض، وبالتالي فإن رفع الدعم كان ضرورة لا بد منها لمعالجة جذور التضخم الذي بلغ معدَّلات عالية وتخطى حاجز الأمان.

فرصة ذهبية

ومنذ 25 أكتوبر 2021م، فقد السودان فرصة ذهبية للعودة إلى المجتمع الدولي في ظل جهود قادها رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، بعد الخوض في تفاهمات دبلوماسية مكثفة لنيل خانة مرموقة بين الدول العظمى، بعد سحب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإمكانية إعفاء الديون الخارجية، وعلى إثر ذلك علقت المؤسسات المالية العالمية مساعداتها للسودان، كوسيلة ضغط على المؤسسة العسكرية لتسليم السطلة لحكومة مدنية، بالإضافة لتعليق الولايات المتحدة الأمريكية حزمة مساعدات اقتصادية بقيمة (700) مليون دولار، كانت مخصصة لدعم العملية الانتقالية الديموقراطية في السودان في أكتوبر الماضي.

مشهد اقتصادي معقَّد

يقول الخبير الاقتصادي د. عوض الله موسى، إن المشهد الاقتصادي يزداد تعقيداً يوماً تلو الآخر، خاصة وأن تطلعات الشعب هي العيش الكريم، مستبعداً تحقيق أيٍّ من المكاسب الاقتصادية بعد إجراءات 25 أكتوبر، بل الأمر هو تعقيدات اقتصادية متتالية في كافة المناحي الاقتصادية، واصفاً إياها بالمتراكمة والمتوالية سواءً في الإنتاج وحركة الصادر والوارد والميزان التجاري وفي العجز الكلي بالدولة بجانب معدَّلات التضخم، وأكد لـ(اليوم التالي) أن تعقيدات المشهد الاقتصادية منعكسة على حياة الناس، نافياً وجود رؤية وبرامج اقتصادية واضحة حتى الآن، مشيراً إلى غياب السياسات والإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة، بل توجد تشوُّهات مستمرة دون معالجات من جانب الدولة.

خسائر التشاكس السياسي

بدوره يقول المحلِّل الاقتصادي الحسين أبو جنة، إن الذي تم في 25 أكتوبر2021م، كانت ثورة تصحيحية مطلوبة وبإلحاح من أجل وحدة وسلامة السودان، من خلال إعادة السيطرة على مقاليد الدولة، التي فقدت وقتها بوصلة المسار الصحيح، بسبب ما وصفها تخبطات عشوائية انتقامية فوضوية من قبل الحرية والتغيير، الذين ٲخذوا البلاد إلى طريق ضياع وتشرذم بلا نهايات، وأضاف قائلاً: رغم نجاح مخطط الثورة التصحيحية في بعده الخاص بإعادة مقاليد الحكم إلى مساره الصحيح، إلا غياب خطة العمل التنفيذي القطعي في بعدها القومي المتدرج، كانت ثغرة قاتلة تسلَّلت عبرها سلسلة العلل التي أصابت المنظومة الاقتصادية في مقتل، مؤكداً عجزت بسببه مؤسسات القطاع الاقتصادي عن القيام بدورها كما ينبغي، وقال فكانت المحصلة النهائية مزيداً من التدهور في معاش الناس، ويشير إلى نشوء تشوُّهات هيكلية عميقة أضرت كثيراً بمرونة العرض الكلي للمنتجات الوطنية، التي عرفت طريقها إلى مسارات الخارج عبر الطرق الملتوية للتهريب، في وقت ارتفعت فيه الواردات بصورة مرضية أعيت الطبيب المداوي -على حسب قوله، وأوضح حدث ما حدث من خسائر اقتصادية فادحة، وقفت وستقف طويلاً حجر عثرة أمام إعادة منظومة الاقتصاد القومي إلى دائرة الفعل، منوِّهاً إلى وجود تشاكس سياسي بلا نهاية ربما أدخل البلاد في نفق مظلم.

وأشار أبو جنة إلى التدخلات الخارجية التي بسببها فاقمت من أزمة الحكم في السودان وأدخلتها نفقاً مظلماً طويل المسافة متموج المسار، وحول خروج السودان من جحيم خماسية الأبعاد (السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الأمنية، الأهلية) لابد من مبادرة عسكرية حاسمة تعيد الأمور إلى ما قبل مرحلة الفوضى غير الخلَّاقة التي اجتاحت السودان، لتمهد لانتخابات قومية شفافة ونزيهة تخرج من رحمها حكومة منتخبة ورشيدة، لها القدرة المهنية على التخطيط الاقتصادي المدروس بعيداً عن عشوائية التخمين التي أضرت بمنظومة اقتصاد السودان المسجي في غرفة العناية المركزة (الإنعاش) لأكثر من (42) شهراً، وقال: هي فترة زمنية تساوي عمر أربعة موازنات سنوية كانت كفيلة بمعالجات كثير من علل الاقتصاد القومي السوداني.

تداعيات سلبية

أما الباحث الاقتصادي هيثم فتحي، فيرى أن التدهور المتسارع لقيمة الجنيه السوداني وانكساره أمام العملات الأجنبية، أدى لتداعيات اقتصادية كبيرة تمثلت في انخفاض قيمة الرواتب مقارنة مع الأسعار، التي وصلت بالنسبة لبعض المواد الغذائية الأساسية إلى حد الثلاثين ضعفاً، وسط تراجع القوة الشرائية في ظل مستويات عالية من التضخم، وذهب بالقول إن الاقتصاد السوداني أمام أزمة حادة لا يمكن حلها بدون مساعدات مالية وقروض من الخارج، في ظل ضعف الاحتياطات من النقد الأجنبي وارتفاع مستويات الفساد وتراجع الإنتاج، بيد أنه يعتبر أن الحصول على المساعدات والقروض مسكنات مؤقتة للوضع الحالي، ولفت إلى أن التنبوء بالاتجاهات المستقبلية للاقتصاد مرهونة بالقدرة على التغلب على التحديات التي تقف أمامه، التى يعتبرها مزيجاً ما بين التحديات الاقتصادية والسياسية.

ونوَّه د. هيثم إلى توقف مؤسسات التمويل الدولية لخططها لدعم الاقتصاد السوداني ومنها البنك الدولي، مع تراجع كبير في الاستثمارات الوطنية الأجنبية، ويرى أن السبب الرئيس في الوضع الحالي هو الأزمة السياسية الناجمة عن عدم قدرة الأحزاب السياسية على الوصول إلى توافق فيما بينها حول رؤية واضحة للمرحلة الانتقالية تمثلت في الصراعات بينها قبل وبعد 25 أكتوبر، وقال في حديثه لـ (اليوم التالي): إن واشنطن جمدت برنامجاً يتيح للسودان (700) مليون دولار، وكذلك توقف برنامج لتخفيف ديون السودان الخارجية التي بلغت (59) مليار دولار، تقريباً، وأوضح أن غياب الدعم أدى لصعوبات بالغة في ميزانية العام 2022م، ويتوقع أن تستمر الصعوبات في موازنة العام 2023م، وذكر أن هناك بنوداً لا تستطيع الدولة القيام بها دون مساعدات خارجية، وأهمها بنود التنمية استحقاقات سلام جوبا، والمشاريع التنموية في مناطق النزاعات.

قلب الموازين

وقال د.هيثم إن إجراءات 25 أكتوبر، قلبت الموازين رأساً على عقب، فقد فقدت البلاد الدعم الخارجي، والمساعدات المتمثلة في إنشاء المشاريع، وتقديم المنح والقروض، وأكد أن رفع الدعم كان ضرورة لا بد منها لمعالجة جذور التضخم الذي بلغ معدلات عالية وتخطى حاجز الأمان، وقطع بأن رفع الدعم عمل على الوفرة وعلى استقرار سعر الصرف بعد تحريره، مستشهداً بأن الفرق سنوياً بين الصادرات والواردات كان قرابة الضعف، مما استدعى من الحكومة طباعة النقود حتى تغطي هذا العجز، ونتج عن ذلك ازدياد التضخم، وتابع: مما لا يدع مجالاً للشك في أن المواطن سيدفع فاتورة إضافية، عبر المزيد من رفع الدعم عن الكهرباء والغاز وغيرها من السلع الضرورية، مستبعداً أي حلول أخرى تلوح في الأفق، معتبراً أن القروض والمنح أداة من أدوات سد العجز في الموازنة، وأضاف قائلاً: رغم أن الحكومة نفذت (90%) من روشتة البنك الدولي، إلا أن المجتمع الدولي لم يفِ بالتزاماته تجاه السودان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى