الأموال المنهوبة بالخارج.. الاسترداد!

تقرير: رشا التوم

تواجه حكومة الفترة الانتقالية تحديات كبيرة في إرساء دعائمها السياسية والاقتصادية على حد سواء، وتسعى حثيثًا في عدة جهات  لاستعادة مكانة البلاد ضمن منظومة المجتمع الدولي عقب الحصار والعزلة خلال الحقب الماضية، ومن ضمن تلك المساعي إعلان رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك التزام الحكومة بمتابعة ومراجعة  التدفقات المالية وإرجاع كل الأموال المنهوبة والمهربة خارجياً، ومن ثم توجيهها  لتنمية واستقرار البلاد.

وبلا شك تلك الأموال مرجعيتها الحقيقية هي الإيرادات العامة للدولة، وتسرب أموال  حصائل الصادرات وعائدات الأنشطة الاقتصادية كافة الى الخارج عبر الفساد المالي والإداري دون محاسبة أو مساءلة.

وقطعاً الإيرادات والأموال المهربة تعتبر ركيزة أساسية لوضع لبنة اقتصاديات الدول وتعول عليها الحكومات  في تنفيذ الأنشطة التجارية والخدمية ومنظومة اقتصادية متكاملة لتواجه بها مطلوبات الدولة والمواطن.

ومن  هنا نبع سؤال محوري ما هي الآلية التي تمكن الحكومة من  استرداد تلك الأموال وكم يبلغ حجمها، وفي أي حسابات مصرفية وأي بلدان؟

وأكد وزير المالية الأسبق عز الدين  إبراهيم عدم وجود أي بيانات عن الأموال المنهوبة أو المهربة الى الخارج طوال السنوات الماضية، ولا معلومة مؤكدة عن كم يبلغ حجمها؟

وقال في حديثه لـ(الصيحة)، إن الحديث عن تلك الأموال كلام سياسي لا تسنده الوقائع، مضيفاً أن البنوك العالمية تملك حسابات سرية لعملائها ولن تفصح عنها إلا في حالة  صدور توجيه من المحكمة  بخصوص فتح حسابات العملاء.

وشدد على أهمية وجود قرارات من محاكم البلدان التي يعتقد السودان أن لديه أموالاً بطرفها.

وأشار إلى أن الأموال المهربة في قطاع النفط والتي وردت في تقارير رسمية بمقدار 64 مليار دولار بددها وزير النفط الأسبق د. عوض الجاز، ووصف الحديث عنها بأنه غير مقبول،  فأموال النفط هي شراكة ما بين الحكومة والشركات الأجنبية المستثمرة ودولة الجنوب  وكل طرف من المذكورين لديه نصيب من تلك الأموال  والسودان استنفد نصيبه  من الأموال في مشروعات النقل والبنى التحتية والطرق وغيرها، واستدل بأن الحكومة السابقة قامت بتعيين وزير نفط جنوبي لوال دينق إبان تلك الفترة لمعرفة أموال النفط وإيراداته.

وزاد بأن كل نظام سياسي  لديه  تقييم للمسائل المالية بصورة مختلفة عن النظام السابق له.

ودعا إلى جلب واسترداد الأموال حال وجدت بالخارج  ومحاسبة المفسدين عبر الانتربول وتوجيه التهم مباشرة.

وأردف بأن السودان لديه إمكانات مادية وبشرية تمكنه من الوقوف على  أرجله.

وانتقد الحديث عن وجود ضوء في آخر النفق، وتساءل: لا نعلم كم يبلغ طول هذا النفق؟ وطالب بحقائق وأرقام

وفي السياق نفسه، قال الأستاذ الجامعي د. محمد الناير: لا توجد حتى اليوم أي إجراءات واضحة بشأن الإثباتات التي تم بها التعدي على المال العام  في الداخل أو الخارج.

ونادى بضرورة اتخاذ الإجراءات  ضد المتهربين من سداد حصائل الصادر  إلى بنك السودان المركزي عبر الإثباتات المستندية وإصدار أحكام قضائية ضدهم.

وجزم بأن الإجراءات الخارجية تتطلب وقتاً  أطول فيما يخص القطاع المالي والمصرفي، يجب جلب المتهمين عبر إجراءات دولية.

ونوه إلى أن الحديث عن الأموال المنهوبة بعد مرور عامين من الثورة كان يتطلب  تحديد حجمها وإصدار قرارات  نهائية بشإن استردادها وتطبيق عقوبات رادعة  للتعدي على المال العام، ولكل من تسول له نفسه  القيام بهذا العمل.

وقال إن قوانين السودان  في مجال  غسل الأموال وتمويل الإرهاب  متوافقة مع القوانين الدولية ومن قبل مجموعة العمل المالي،  ولكن الأمر فقط يحتاج إلى تفعيل  القوانين واللوائح.

من ناحيته، أكد خبير مصرفي ــ فضل حجب اسمه ـ أن القضاء على كل عمليات الفساد التي تمت في السابق علينا تطبيق لائحة الإجراءات المالية والمحاسبية وقانون  الشراء والتعاقد والتخلص من الفائض  بصورة صحيحة  وحال تم ذلك، فهو  كفيل  بالقضاء على الفساد المالي والإداري،  ولكن هناك ممارسات أخرى جعلت الإجراءات  المطبقة  تتوافق مع اللائحة  والقانون  بمعنى إذا وجه شخص معين بإرساء عطاء لجهة محددة، وكانت إجراءات العطاء رسمية،  وحصل على عمولة  بطريقة خاصة  فهذا النوع من الفساد  صعب جداً إثباته  مستندياً إلا في حالة التلبس،  وهذه إحدى المشكلات الخاصة بالفساد  الإثبات المستندي  الخاص بالمراجع العام  بخلاف استخدام  النفوذ والوظيفة العامة، ولمعالجة الأمر بشكل حاسم  لابد من تفعيل من أين لك هذا؟

وأضاف: فهناك أموال ضخمة بالعملة المحلية والأجنبية  وعقارات وسيارات وأصول لا حصر لها، ولكن التأخر في تشكيل هياكل الحكومة كان سبباً رئيساً ربما لإخفاء معالم الفساد  الذي تم ارتكابه سابقاً، وننصح كلما تأخر التوافق حول تشكيل هياكل الحكم  أفلت الذين تعدوا على المال العام  وأثروا،  وبالتالي تتعقد المشكلة الاقتصادية  ليصبح حلها صعبا ً وأفلت المعتدون على المال العام من العدالة،  وزاد قائلاً: يجب  أن تعلن المحاكمات على الفساد والمفسدين لتكون على الملأ وفي وسائل الإعلام المختلفة  وأن يشهد عليها العالم أجمع، وإلا لن يتم القضاء على الفساد أبداً.

من ناحيته  نادى الخبير الاقتصادي د. عثمان سوار الدهب بضرورة  تعيين خبراء أو شركات عالمية  مختصة لملاحقة  المعتدين على  المال العام أسوة بما حدث في دول أخرى تغيرت فيها الأنظمة الحاكمة.

وأثنى على مبادرة  رئيس مجلس الوزراء  بالإسراع في استرداد الأموال المنهوية ووصفها بالجيدة للمحافظة على مكتسبات البلاد  وإرجاع  الأموال بصورة قانونية.

وأشار إلى أن هناك حسابات مصرفية يتم فتحها  عبر القضاء ولابد أن يكون هنالك نوع من المسايرة لأن طبيعة هذه الإجراءات تأخذ وقتاً طويلا  وتحتاج لمزيد من صرف الأموال للشركات العالمية.

مضيفاً: ينقصنا حجم الأموال ومكانها وأرقام الحسابات ومن قام بتحويلها  الى حسابات الخارج.

وجزم بأن الخطوة هي نوع من الإصلاح المؤسسي،  ودعا إلى الشروع في حل بعض المشكلات التي تعترض  إكمال التحقيقات  في البحث عن المال المهرب إلى الخارج على المستوى الإقليمي والعالمي.

وأكد أهمية  الدعم الشعبي والرسمي للمبادرة،  وطالب كل من يملك معلومات حقيقية عن الأموال أو مستندات أن يمد بها  الجهات المختصة للإسراع في تسريع الإجراءات.

وفي ذات الاتجاه قال مستشار الاقتصاد والتمويل عبد الله الرمادي، إن  الحديث كثر في الآونة الاخيرة عن اتجاه الحكومة لإرجاع المال المنهوب في العهد البائد  دون دلائل واضحة عن أموال لدى بنوك أو أشخاص بعينهم ووصف الحديث  بالسياسي  وليس الاقتصاد المهني المؤسس على أرقام حقيقية.

وذكر أن  الكرة في ملعب  الحكومة وما الذي يمنعها أن تصرح بأن المبالغ توجد في بنوك وأسماء معينة وتم الاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة خاصة وأن رئيس الوزراء هو من صرح بهذه المعلومات.

ولا أعتقد بأن شخصاً في وضعه من المسئولية لن يدلي بأي حديث في الشأن  ما لم تكن لديه معلومات موثقة.

ودعا الرمادي  الحكومة للخروج  للعلن ووضع النقاط  على  الحروف بدلاً عن المتاهة الحالية، فمنذ تسلم الحكومة قبل عامين ليس هناك جديد والبلاد في حاجة إلى كل دولار.

والأموال التي خرجت منهوبة من السودان فإمكانية استرجاعها متاحة  حال ثبت للقضاء بأن الاستيلاء عليها تم بطرق غير قانونية وصدور أحكام فمن حق الحكومة أن تطالب عبر الانتربول الدولي باسترداد المبالغ وسحبها من الحسابات المودعة بها وتحويلها لمصلحة الحكومة السودانية بناء على قرارات من المحاكم وهو السبيل الوحيد وليس بالعسير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى