سراج الدين مصطفى يكتب : على طريقة الرسم بالكلمات

28 اغسطس 2022م

 

(1)

دون التقليل من قيمة مبدعينا الكبار الذين أرسوا دعائم الحركة الفنية، أعتقد جازماً أن (عبدالرحمن الريح) هو من أهم الشخصيات الفنية في التاريخ الغنائي، فهو كان مبدع بحق وحقيقة، فنان متجاوز لحال زمانه وراهن الساحة الفنية في ذلك الوقت، فهو شاعر وملحن ومغني في ذات الوقت وإن كانت الأخيرة لم تتمظهر في تجربته وهو لم يريد أن يظهرها. وعبدالرحمن الريح دائماً ما أطلق عليه (مكتشف المواهب العظيمة) التي احتلت الساحة الفنية فيما بعد والنماذج كثيرة يأتي في أولها الفنان الذري إبراهيم عوض وأحمد الجابري وحسن عطية والتاج مصطفى ومن قبلهم كرومة.

(2)

كان أسلوب عبدالرحمن الريح في التأليف الموسيقي وكتابة الأشعار يعتمد على بساطة المفردة وسهولة اللحن الذي يخلو من التعقيد، بدأ عبدالرحمن الريح  بأغانى ذات نمط جديد (أنا سهران يا ليل، خدارى، جاني طيفه طايف)، بعد أن تحرى المواضيع البسيطة المباشرة والأحداث المختلفة منقولة إلى الناس والمشاعر المألوفة والمترجمة بنبرة الحقيبة وبالتالي القريبة من الحياة العادية بما يكفي لتجد صدى عند الجمهور الأقل تجاوباً مع التحولات الفنية.

(3)

بشير عباس، اسم يحتشد بالعبقرية الموسيقية، نحت بأنامله الوسيمة على قلوب كل السودانيين حتى أصبح ظاهرة في دنيا التلحين و التأليف الموسيقي.. ومن يصغي السمع لأغنيات مثل: “رجعنالك وكنوز محبة وطائر الهوى” يعرف تماماً إنه أمام مبدع مغاير ومختلف له طابعه وأسلوبه اللحني والتأليفي، رجل بتلك المواصفات من البديهي أن يعتلي قمة الوجدان ويتربع عليها وحيداً. قدَّم بشير عباس للموسيقى والغناء الكثير من خلال تاريخ طويل وممتد. وذلك حقق له سيرة ذاتية مليئة بالروعة والأناقة.

شق بشير عباس طريقه الفني بالتأليف الموسيقى وتأثر في ذلك بالموسيقار برعي محمد دفع الله، وأول مقطوعاته الموسيقية هي شروق وكانت في العام 1955 وتلاها بمقطوعات مثل أمي وبامبو سنار. استتبع ذلك بأول لحن غنائي له وهو لحن أغنية “أشوفك في عيني” للفنان عبد العزيز محمد داوود في العام 1960 م، وتلاها أغنيات “يا سهارا” للفنان محمد حسنين ثم “الشال قلبي وسلا” لثنائي الجزيرة.

(4)

أغنية (فراش القاش) هي عنوان عريض على موهبة شاعر عظيم،  شاعر مختلف في كل تفاصيله الكتابية، شق طريقه بمفدرة جزلة وبسيطة، ولكنها في ذات الوقت عميقة ومحتشدة بالجديد من حيث اللفظ والمعني (فراش القاش) أغنية تستحق الوقفة لأنها كانت أول كتابات الشاعر الكسلاوي (عبدالوهاب هلاوي)، أغنية أعلنت عن نبوغه المبكر في مجال كتابة الشعر الغنائي، لو كنت مكان الشاعر الجميل عبدالوهاب هلاوي لما أهملت كتابة الشعر بهذا القدر الفاجع الذي يصل لمرحلة الألم، وهلاوي ربما لا يدري بأنه واحد من أعظم الذين كتبوا الشعر الغنائي في هذا البلد، كيف لا وهو صاحب فراش القاش وحاجة أمنة إتصبري وغيرها من الأغاني الوسيمة.

(5)

قناة سودان بكرة تقريباً هي القناة السودانية الوحيدة التي تعتبر (قناة الثورة) وهي خط دفاعها الإعلامي الأول، تتناول المواضيع بجرأة واضحة تحسد عليها وتسعي لفضح الفساد في العهد المباد، وكان من الأفضل للحكومة الانتقالية أن تدعمها وتقف معها وترعاها رعاية كاملة، وهي قناة تستحق ذلك، ولكن وزارة الثقافة والإعلامية سلبية جداً في دعم الإعلام الثوري ومن المفترض والواجب أن تجعلها قناة قوية وذات تأثير كبير.

(6)

في انتخابات اتحاد الفنانين قبل فترة قليلة، فاز الدكتور عبدالقادر سالم بالتزكية ولم ينافسه أحد على كرسي الرئاسة ولم يتقدم أي مرشح للمنصب، بينما تنافس البقية على بقية المناصب في مجلس الإدارة وذلك يدلل ويؤكد أن للدكتور عبدالقادر سالم شخصية خاصة جداً وله احترام كبير في الوسط الفني، وذلك لم يأت بالصدفة وإنما نتيجة بناء عبر التاريخ والأيام، فهو إنسان بمعنى ومبنى الكلمة وكل من عايشه وعاصره عن قرب يدرك القيم الإنسانية التي يتحلى بها والأخلاق الرفيعة التي يتمتع بها ضف إلى ذلك تأهيله الأكاديمي الرفيع وغنائيته ذات اللونية المحببة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى