لعنة العرجون !!
سُئلت سؤالاً أربكني أمس.. قال من كان يمشي معي – بالصدفة – (يا أستاذ نحنا ماشين وين؟!)..
فانتبهت؛ فإذا هو شابٌ ينضح وجهه أسىً؛ ويأساً..
فانفلتت من فمي عبارةٌ لم تأخذ دورتها داخل عقلي (ونحنا ماشين من أصله؟!).. ثم اخترق نظري وجهه ؛ واخترق عقلي المكان والزمان.. وأوجداني في زمان بعيد – وأنا صغير- أجهد عقلي لفهم أشياء ذات صلة بالمشي.. وإلى يومنا هذا – وأنا كبير – ما زلت لا أفهم..
ومنها حكاية جدتي لأمي – ابنة ساتي فقير – مع (مساكنتنا) الطيبة ؛ طيبة النفوس.. أو حكايتهما هما معاً مع مشيٍّ على درب (لا يمشي).. وربما العكس صحيح ؛ بمعنى أن الدرب كان يمشي وهما لا…فهو إشكال غيبي..
وإيليا أبو ماضي جعله إشكالاً فلسفياً في قصيدته الطلاسم.. فقد أنشد متسائلاً :
وطريقي ما طريقي…أطويل أم قصير..
هل أنا أصعد..أم أهبط فيه وأغور..
أأنا السائر في الدرب..أم الدرب يسير..
أم كلانا واقف…والدهر يجري.. لست أدري…
وربما كانت جدتي تطرح الأسئلة هذه ذاتها وقتذاك…ولكن بلغتها النوبية الرصينة.. فقد كانتا – هي وطيبة – راجعتين من الغيط عصراً.. وظلتا تمشيان على الدرب – أو هو الذي يمشي – إلى أن جن عليهما الليل.. ثم انتبهت فجأة إلى العرجون الذي تحمله رفيقتها بيدها.. فلما سألتها عنه قالت إنها انتزعته من نخلة (مطرِّفة) مرا بها عند حدود السواقي..
فرجتها أن تلقي بها ؛وكان محض رجاء يائس..
ولكنها فوجئت بانتهاء سؤال : أهما سائرتان أم الدرب يسير؟!….و وصلتا.. ولكن السودان ظل يسير لأكثر من ستين عاماً…ولم يصل.. فهل هو يسير؟…أم الدرب الذي يسير؟…أم كلاهما واقف والدهر يجري؟!..
أم تُراه يسير إلى الخلف مثل سيارة قُرقار…الجيب؟..
فقرقار هذا كنا نزف عربته بأهزوجة (يا قرقار…فولك حار…فيه الشطة والشمار).. وفجأة حلت الحيرة محل الطرب لما رأيناها تسير (عكساً)..
كان يمشي بها – أو تمشي هي به – في اتجاه الخلف أياماً…جراء عطلٍ ما..
ولكنه – على أية حال – كان يصل…ولو بكثير جهد..
وحين عاد نظري – وعقلي – من رحلتهما الماضوية هذه انتبها إلى الدرب..
ثم انتبها إلى الشاب الذي كان لا يزال يمشي بجوار صاحبهما..
فقد كان في انتظار إجابة (منطقية) عن سؤاله…ولم يجد سوى إجابة (غيبية)..
إجابة انتزعتها من نخلة (مطرفة) عند حدود عقلي..
ربما السبب (عرجونٌ ملعون !!).