صلاح الدين عووضة يكتب : سياحة!!

 

وسببها نميري..

فقد كانت كريمة في برنامج زياراته الداخلية – آنذاك – تروجياً لذاته… وطموحه… وانقلابه..

وكنا طلاب ابتدائي… ومن ضمن برنامج ذاك اليوم..

ويتمثل برنامجنا – المفروض علينا فرضاً – أن نُحشر يوم الزينة ضحى بمحطة القطار..

وبأيدينا لافتات الترحيب بالقائد الملهم… لنقول نعم..

وقلت لا؛ فقد كنت كارهاً لحكم العسكر منذ تلكم السنوات الباكرة من عمري… وما بعدها..

ولكن لماذا كرهته وأنا – بعد – يافعٌ صغير؟… لا أدري..

فربما هي الفطرة… وهي الفطرة نفسها التي جعلتني أعشق جمال الطبيعة في العمر ذاته..

وعندما كبرت وجدت أن فطرتي – إزاء حكم العسكر – كانت في محلها..

وسحت في أرجاء المدينة أبحث عن الجمال… فقادتني خطاي إلى شارع النيل بجوار (البار)..

وجدت نفسي أمام حانة يملكها يهودي اسمه شاؤول..

وهو من بلدة حلوف – قرب نوري – وبها جالية يهودية يُقال إن منها بنيامين نتنياهو..

وقبل أيام قال مستشار نتنياهو هذا (نحن والسودانيون أبناء عمومة)..

ولا أعلم سبباً منطقياً لقوله هذا بما أن جاليات اليهود كانت منتشرة في غالب دول المنطقة..

ولكن ربما كان يُضمر سبباً آخر لم يشأ الإفصاح عنه..

وقبل بلوغي الحانة المذكورة مررت بمحل تجاري… كنت أراه الأجمل من نوعه بالمدينة..

فمنه نبتاع الألعاب… ومجلة ميكي… وكتب الجيب..

محل ضرغام؛ وهو شقيق قرقار بطل أنشودة (يا قرقار… فولك حار… فيه الشطة والشمار)..

وكنا ننشدها كلما لمحنا عربته (الجيب) على مقربة منا..

وواصلت سياحتي بمحاذاة النيل حتى بلغت شجرة الزونيا حيث البواخر… ومصنع البلح..

وحيث (دخرينا) تحت شجرة تبيع (الخدرة المفروكة للمسافرين)..

وهي الشجرة التي قلت إن الكبار كانوا يحذروننا منها بقولهم (ألم ننهكم عن تلكم الشجرة)..

رغم إننا كنا نراها جميلة؛ جمال النيل… والبواخر… والمراكب..

ومن بعيد يتناهى إلى مسامعي الضجيج المكبوت لمراسم الاحتفاء بسارق الشرعية الانتخابية..

فجانب من شعبنا السوداني هو (شعب كل حكومة)..

وليس كل هذا الشعب أفراده من البسطاء… وإنما من بينهم هواة التسلق من المثقفين..

وهؤلاء عشقهم الأكبر للشمولية حيث يسهل التسلق..

التسلق من غير جهد انتخابي سوى جهد تدبيج كلمات المدح للقائد الأعظم… والنظام الخالد..

وأتسلق الزونيا لأحظى ببضع ثمرات لذيذات..

ومن مكاني – أعلى الشجرة – أبصر غبار الاحتفال بالدكتاتور… مختلطاً بدخان القاطرة..

ثم تأتي سماء بلادنا بدخان مبين… يختلط بغبار المتظاهرين..

ويختفي النميري – ونظامه – خلف الدخان… والغبار؛ ولكن من هم على شاكلته لا يعتبرون..

ولا يختفي – أبداً – الجمال الذي أهواه… وجمال الديمقراطية..

ويظل قدري السير في دروبه..

والسيـــاحة!!.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى