صلاح الدين عووضة يكتب: إنسان!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

إنسان!

من الإنس..

والإنسان نفسه قد يوصف بأنه إنسان إذا كان ذا مشاعر إنسانية دفَّاقة..

أو تُقرن به الإنسانية هذه لتعني أنه إنسان في مهنته..

والمقصود أنه يمارس مهنته – إن كانت ذا صلة بالإنسان – من منطلق إنساني..

وذلك كأن يُقال – مثلاً – الطبيب الإنسان..

وعكسه الطبيب الجحمان…الشرفان…الشفقان…الجوعان…أو حتى الشيطان..

فإن كان الطبيب الإنسان شاطراً اشتهر بين الإنس..

بل وربما تتجاوز شهرته هذه حدود بلده…وإقليمه…وقارته…لتصبح عالمية..

ومن هؤلاء جراح القلب المصري مجدي يعقوب..

فهو فضلاً عن تميُّزه المهني الفريد ينضح قلبه رحمةً…وشفقةً…وإنسانية..

وأصل حكاية كلمتنا هذه اليوم نقاشٌ مع إنسان..

قال إن يعقوب هذا لا مثيل له في بلادنا…لا في جراحة القلب…ولا رحمة القلب..

فقلت له ربما كان عندنا بارعون في هذه الجراحة..

جراحة القلب، ولكن فيما يتعلق بإنسانية القلب فلا تحضرني شواهد على ذلك..

فمجدي يعقوب فريد عصره…وزمانه…وأوانه..

ويكفي أنه لا يتعاطى فلساً واحداً نظير إجرائه جراحة قلب لطفل…أي طفل..

كما لا يقبل رسوماً – طبية – من الفقراء…والمساكين..

ثم هنالك شاهدٌ – يُشاهد – على إنسانيته هذه تتمثل في صرحه الطبي الشهير..

فهو يكاد يكون ذا أسعار رمزية..

ورغم ذلك فأبوابه مفتوحة بالمجان لكل ذي قلبٍ عليل…ورزقٍ ضئيل..

وهو نفسه يقول: لا فائدة من طب بلا إنسانية..

والإنسانية – عموماً – باتت أندر من لبن العصفور في زمان بلادنا هذا..

هذا الزمان الذي تبدَّلت فيه الأحوال…والقلوب..

وكادت أن تخلو القلوب من الرحمة…حتى التي في صدور الأخوان وذوي الأرحام..

بيد أن هنالك نماذج مضيئة في سوداننا رغم هذا..

وأعني في مجال الطب،  بعيداً عن تخصص أمراض القلب…وعن جراحاته..

وأذكرها عن مشاهدة…وشواهد…وشهود..

ومنهم الطبيب الإنسان – والشاعر – عمر محمود خالد…في مجال أمراض الصدر..

وقد رأيت بأم عينيّ ما جعل عينيَّا تفيضان دمعاً..

وذلك حين رفض أن يتقاضى أجراً من مسنة رأى فيها أمه…وجدته…وكل جدة..

كما دفع من جيبه الخاص تكاليف فحصٍ لأخرى..

ورجلٌ كان يخاطبه بلفظة والدي أعاد إليه ما دفعه من قيمة كشفٍ وفحصٍ وعلاج..

ثم هنالك الطبيب الإنسان – الراحل – كمال أبو سن..

وهو جراح الكلى المعروف داخلياً…وإقليمياً…وخارجياً…وبجامعات بريطانيا..

وكان يجري عمليات الكلى مجاناً لمن لا يملك ثمن العلاج..

ولا يمكن أن ننسى – بالطبع – الطبيب الإنسان حد الدهشة مأمون حميدة..

فهو لا يقل عن مجدي يعقوب رحمة…وإنسانية…وعطفاً..

ثم لا يكاد يقل عنه – كذلك – تميُّزاً…وتفرُّداً…وشطارةً…في مجال تخصصه..

وإنسانيته لا تقتصر على طبه وحسب..

وإنما تنسحب على جامعته أيضاً…جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا..

فيعفي من رسومها حفظة كتاب الله..

وكذلك الفقراء…والمساكين…والمعوزين،  إن كانوا متفوِّقين دراسياً..

فهو ليس بجحمان..ولا شرفان…ولا شفقان..

وإنما يكفي أنه نصفه بكلمة واحدة..

إنسان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى