صلاح الدين عووضة يكتب: الهلفوت!

بالمنطق

صلاح الدين عووضة

الهلفوت!

رمضان كريم

والهلفوت هو العبيط…الهبيل…الدرويش..

أو الطيِّب – أكثر من اللزوم – بالمعنى الذي يقصده أشقاؤنا بشمال الوادي..

ومصرية كنا نستأجر شقتها حسبتنا طيبين..

وربما لأننا كنا نعاملها بأدب…بذوق…بطيبة أكثر من اللازم..

كنا نفعل ذلك حتى وهي تصرخ فينا حرصاً على مكيفها – الفريون – الوحيد بالشقة..

وذات صباح بادلتها صراخاً بمثله..

فإلانسان مهما يكون طيباً – بالفهم هذا – فإن لطيبته هذه حدودًا..

وقديماً قالت العرب: احذر غضبة الحليم..

صرخت فيها (شوفي يا ست أنتِ…مكيفك الوحيد ده عندنا زيه يجي عشرة)..

ومن ثم صار تعاملها معنا عشرة على عشرة..

وببلدتنا كان هنالك هلفوت يحب خدمة الآخرين – بلا مقابل – حتى في رمضان..

أو يحب الآخرون تطويعه لخدمتهم بلا مقابل..

واستغل كثير من أهل البلدة طيبته تلك لأقصى حدود اللا إنسانية…اللا رحمة..

فهو طيب…مسكين…درويش…هلفوت..

وفي يومٍ فوجئت البلدة بالهلفوت هذا ينفجر غضباً ويرفض خدمة أي أحد..

لقد بلغ الحد…أو هم الذين أوصلوه الحد..

وصار يصرخ (أنا مش عبد حدّ فيكم…انعل أبوكم كلكم)..

ونحواً من ذلك حدث في فيلم الهلفوت…إذ انفجر الهلفوت هذا غضباً عارماً..

انفجر حتى في وجه عسران الضبع..

ثم صرخ في وجه صديقه نادل المحطة وهو يحذِّره منه (يا عم بلا ضبع بلا نيلة)..

وعسران هذا كان قاتلاً يخشاه الكل..

وصبر الرجل قد تفهمه الزوجة على أنه ضربٌ من العبط…من الطيبة…من الدروشة..

فتطِّول لسانها عليه وكأنه هلفوت..

حتى إذا بلغ الهلفوت هذا الحد رمى عليها يمين الطلاق..

فيصيب الزوجة ذهولٌ عجيب…وتقول – دفاعاً عن نفسها – أن زوجها جن..

بينما هو في تمام عقله…إلا أن صبره نفد..

وقحت ظنت أن صبر الشريك على طول لسانها إزاءه نابعٌ عن طيبة..

عن دروشة…عن مسكنة…عن سذاجة..

حتى إذا ما بلغ صبره هذا الحد انفجر تصحيحاً للمسار…وقطعاً للألسن الطويلة..

والآن قحت تعاود الكرة من جديد..

فالغبي هو من لا يتعظ من سابق تجاربه المريرة…ويظن الأشياء هي الأشياء..

يظن أنه الذكي…وأن الآخرين محض هلافيت..

ولا يتذاكون على الشريك هذا وحده – وحسب – وإنما على الجميع..

على سابقين من الشركاء…ولاحقين..

وعلى الثائرين…والناشطين…والسياسيين… والناس أجمعين..

فقط عليهم ألا يُصدموا مرة أخرى..

كصدمة أهل بلدتنا حين صاح في وجوههم من حسبوه هلفوتاً (انعل أبوكم كلكم)..

فما كل صبورٍ بهلفوت…ولا عبيط…ولا درويش..

أو صاحبة الشقة المصرية حين صحت في وجهها (عندنا زي مكيفك ده عشرة)..

وذلك حين ظنتنا طيبين…وهلافيت..

أو الزوجة حين صاح من كانت ترى فيه هلفوتاً في وجهها (أنت طالق بالتلاتة)..

أو هلفوت فيلم الهلفوت حين صاح (بلا ضبع بلا نيلة)..

فاحذر غضبة الحليم…أو اتقِ الحليم إذا غضب…أو لا تدع الحليم يبلغ الحد غضباً..

وأنت تظنه – بغباء – عبيطاً…درويشاً…طيباً..

وهلفوتاً.!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى