(اللا حكومة) .. انعكاسات سياسية وأمنية واقتصادية

 

الخرطوم: الطيب محمد خير    21مارس2022م

يعاني السودان من حالة اللا حكومة التي كرّست لها مجموعة من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تعد مخاضاً عسيراً يواجه  المرحلة الانتقالية، تحوّلت معه الأوضاع الحياتية إلى فوضى تنامت وكبرت ودفعت كثيرا من الاسر السودانية للهجرة خارج بلدهم بسبب التدهور المريع في الخدمات. واللافت ان مفردة اللا حكومة التي تعني انعدام الأمن وسيادة حكم الفقر أصبحت من أكثر المصطلحات المستخدمة من قبل النخب السودانية لدى انتقاد الوضع الراهن في المقالات والتغريدات في وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدمها المستشار الإعلامي لرئيس مجلس السيادة العميد الطاهر أبو هاجة في دعوته للقوى السياسية للتوافق كضرورة الخروج من حالة “اللا حكومة” التي تعيشها البلاد.

معارك سياسية

وظل المشهد السوداني موسومًا بالفشل السياسي للمعارك السياسية المستمرة بسبب التجاذب بين الأطراف الفاعلة في المشهد منذ بداية الفترة الانتقالية التي تمضي في طريق وعر وملغم بالتحديات والتوتر والخلافات بين رئيس الوزراء المستقيل وحاضنته السياسية بدأت منذ تعيينه وحتى قرار حل حكومته من قبل القائد العام للقوات المسلحة وتعليق مهامه أواخر شهر اكتوبر الماضي عندما انفجر الخلاف دفعة واحدة كفوهة البركان، وسارعت قوى الحرية والتغيير باتهام المكون العسكري بتدبير مؤامرة انقلاب ضد الحكومة الانتقالية، ما فاقم حدة النزاع لدرجة صعب احتواؤها حتى الآن، خاصة بعد فشل جهود الوساطات المحلية والدولية لرأب الصدع بينهما وخفض التوترات وحدة الاحتقان السياسي الذي يُهدِّد مسار الانتقال السياسي برمته في البلاد.

البديل الشرعي

في ظل غياب الأحزاب من المشهد تحوّل  الثوار إلى قوى سياسية جديدة مُوازية للأحزاب، إحساسهم القوي بأنّهم البديل الشرعي.

وتفاقمت حدة النزاع بين مكونات الفترة الانتقالية لدرجة صعب معها احتواؤه، في ظل كل هذا يلحظ المراقب بوضوح التضاؤل الملموس في قدرة الحكومة على مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية والأمنية بما يعكس الكفاءة المحدودة للسلطة التنفيذية التي يديرها وكلاء الوزارات والمديرون العامين في التعامل مع مختلف الملفات، فضلاً عن الغياب الواضح لبرنامج العمل الحكومي اليومي والاكتفاء  بالقضايا الصغيرة ومشاريع لا تُليق بأن تكون ضمن أجندة حكومة اتحادية.

غياب البرامج

وقال الناطق الرسمي باسم حزب البعث المهندس عادل خلف الله لـ(الصيحة)، ان الاوضاع المتدهورة الآن على كل الاصعدة وغياب البرامج الواضحة للحكومة نتيجة طبيعية لتركيبة السلطة الانقلابية التي تسعى لمصالح ضيقة، حيث لا تمتلك اي رؤية أو فكرة لمواجهة المشكلات الاقتصادية والامنية والسياسية، واضاف عادل: عملياً لا توجد حكومة طالما انها تخلت عن كل مهامها تجاه المواطن ولا تملك القدرة على طرح اي حلول لأي أزمة وعاجزة عن القيام بأي واحدة من الواجبات التي يمكن ان يطلق عليها حكومة، الموجود فقط أشخاص يتنفذون في مفاصل الدولة الأمنية والاقتصادية ومعهم بعض حركات الكفاح المسلح ولا يقدمون أي رؤية، فقط يدافعون عن مصالحهم الضيقة والبقاء في هذه المناصب بأي ثمن حتى ان كان انهيار الدولة السودانية ومحوها من الوجود، ولا يهمهم معاناة الشعب السوداني، وأبرز دليل على ذلك ما قاله وزير المالية بأنه غير مسؤول عن تحديد أسعار المحروقات وقرار البنك المركزي الذي اسند فيه تحديد سعر الصرف للعرض والطلب، فكل هذه مؤشرات تؤكد بأن هذه المجموعة المتنفذة لا تملك اي رؤية او خطة سوى الدفاع عن مصالحها وتأمينها، ومن غير المتوقع أن تقدم أي حلول لهذه الازمات المتصاعدة التي بالتأكيد ستعجِّل بسقوطها بالإرادة الشعبية السلمية.

كاهل المواطن

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي د. محمد الناير لـ(الصيحة) ان محور اهتمام أي حكومة على أي بقعة في الأرض هو معاش ورفاهية مواطنيها، لكن الحكومة الحالية ارى أنها لا تبالي وتتخذ كثيرا من السياسيات التي ترهق كاهل المواطن مثل زيادة المحروقات اربع مرات منذ مطلع العام وزيادة الضرائب والكهرباء والدواء، وكلها قرارات واضحٌ أنها صدرت دون دراسة اقتصادية سليمة من ناحية تأثيرها على المواطن والإنتاج والإنتاجية. واشار د. الناير لأول مرة في تاريخ الدولة السودانية يستمر الوضع لما يقارب نصف العام بدون حكومة مُشَكّلة بصورة رسمية والطاقم الوزاري الموجود حالياً هم وكلاء تم تكليفهم كوزراء قبل إجازة الموازنة العامة للدولة التي تمت إجازتها بعد مرور فترة، وهذا بالتأكيد أثّر سلباً في أداء الدولة عموماً والأداء الاقتصادي تحديداً باعتبار أنه لم يتم تشكيل طاقم وزاري من كفاءات كما تم الإعلان عنه، بجانب ذلك لم يتم تشكيل هياكل الحكم الانتقالي وفي مقدمتها الجهاز التشريعي وهو يمثل الجانب الرقابي الذي يتابع أداء الجهاز التنفيذي بصورة لصيقة وغياب الجانب التشريعي كان سببا اساسيا في ان كثيرا من السياسات تؤثر سلباً على حياة المواطنين وعلى الإنتاج والإنتاجية بسبب غياب السلطة التشريعية التي يمكن أن تقف أمام الجهاز التنفيذي كخط حماية للمواطنين.

سبب مباشر

وأضاف د. الناير: كل هذا كان سببا مباشرا في التعقيدات التي يعاني منها المواطن الآن في المشهد الاقتصادي، وبسبب ان الدولة ماضية في إصدار المزيد من السياسات التي تثقل كاهل المواطن، بجانب العبء الذي اضافته الحرب الأوكرانية الروسية بالتعقيدات التي نجمت عنها بارتفاع أسعار القمح الذي يشكل ما نسبته 40% من استهلاك السودان وغيره من السلع القادمة من هذا الجزء من العالم، وعلى الدولة الآن أن تكون أكثر انشغالاً بتأمين مخزون من القمح المحلي يكفي لأربعة أشهر قادمة ومراقبة تأثير الحرب على الأسعار عالمياً خاصة القمح والبترول بصورة يومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى