الشباب والنظافة

*كان يقود سيارته الفارهة في أحد شوارع الخرطوم، ويأكل فاكهة الموز ويرمي ببقاياها في الأرض لا مبالٍ.

*استوقفه أحدهم وقال له “الموز جميل”، ولكن نريد لشوارعنا أن تكون الأجمل، توارى خجلاً ولم يستطع إلا القول “آسف ثقافتنا كدا”.

*جيد أنه علم سوء فعلته، ولكن غير الجيد أن تكون ثقافتنا هي التعايش مع الأوساخ وعدم الاهتمام لما يرمى في الطرقات الرئيسية والفرعية منها.

*ونفس هذه الشخصية السودانية إن قُدّر لها العمل خارج السودان تتغير ثقافته وفق البيئة التي هو فيها، ويخجل أي من المغتربين من رمي الأوساخ في الشوارع “ساكت” دون خجل.

*السودان ومنذ استقلاله عن المستعمر كانت له ثقافة النظافة والقيافة لأهله، وكانت الخرطوم تمنع التجوال “بالسفنجة” في شوارعها، وكانت بعض الطرقات تغسل مساء كل يوم لتصبح نظيفة خالية من القاذروات والأوساخ.

*كانت الخرطوم في تلك الفترة ملهمة للشعراء وجعلتهم يكتبون القصائد في روعتها وجمالها، وجعلت مؤسس دولة الإمارات العربية الراحل الشيخ زائد آل نهيان يطلب من الرئيس الراحل جعفر نميري أن ينتدب له المهندسين ليجعلوا دبي مثل الخرطوم في روعتها وجمالها.

*ومرت  السنوات وتطورت دبي وأصبحت عالمية وتدهورت الخرطوم وأصبحت من أوسخ المدن وأقبحها.

*الثقافة التي تحدث عنها صاحبنا في مقدمة هذا المقال موجودة من زمن بعيد، ولكننا لا نعمل بها إلا من حين إلى آخر.

*منتصف الأسبوع المنصرم وأثناء عودتنا من الصحيفة عند منتصف الليل برفقة الزميل والصديق العزيز علي البصير، وجدنا مجموعة من شباب وشابات حي الخرطوم 3 وهم ينظفون أحد الشوارع الرئيسية في منطقتهم.

*قلنا ربما شباب الحي أراد تكسير بعض الوقت الرمضاني في شيء مفيد، لكن المشهد تكرر لنا في شارع الحرية قبالة السجانة، حيث وجدنا مجموعة كبيرة من الشباب وهم ينظفون الشارع، ويرتبون بعض الأحجار التي اقتلعت بسبب الاعتصام.

*في اليوم الثاني وجدنا أن الكثير من أحياء الخرطوم كان بها نفس الشيء وحتى القوز قبالة شارع الغابة كان شباب الحي ينظفون الشارع ويرتبونه، وشارع النيل، وقائمة طويلة من شوارع الخرطوم شهدت حملات نظافة من شباب السودان.

*الروح الجميلة التي ابتدر بها هولاء الشباب حملات النظافة في الشوارع الرئيسية والأحياء يجعلنا نطمئن على مستقبل السودان الذي يزخر بشبابه الواعي والمدرك لضرورة بناء السودان في مقبل الأيام.

*نرجو أن تكون هذه هي ثقافة أبناء السودان في الفترة المقبلة، وهي المحافظة على نظافة الشوارع واحترام الطرقات وعدم رمي الأوساخ فيها، حتى تعود الخرطوم إلى سابق عهدها في فترة المستعمر الذي خرج من أرضنا وترك لنا ثقافة لم نحافظ عليها ونحن نحكم أنفسنا بأنفسنا.

*شباب السودان في 2019م، ضرب أروع الأمثال في المسيرات السلمية واقتلاع نظام دام ثلاثين عاماً دون أن يكسر أو يحرق، وهو الآن يقود حملات لنظافة شوارع الخرطوم ومنها شوارع كل الولايات لتصبح بلادنا الأجمل والأفضل والأنظف في أفريقيا والعالم أجمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى