المُساعدات الخارجية .. مخاوف تمويل المُوازنة واستمرار الإصلاح الاقتصادي

 

الخرطوم: جمعة عبد الله    10ديسمبر2021م 

أثار حديث لوزير المالية د. جبريل إبراهيم، بعدم تلقي اي تمويل دولي منذ 25 اكتوبر الماضي، الشكوك حول قدرة الحكومة على تمويل موازنة العام المقبل، كما تزايدت المخاوف من إقرار موازنة محبطة، فيما يبقى مستقبل الإصلاحات الاقتصادية التي اجرتها الحكومة وتواصل عليها منذ عامين، “مصيراً مجهولاً” لكونها مرتبطة بشكل وثيق بتعهدات مانحين دوليين وتمويل دولي، وهي تمويلات ذات اهمية قصوى للحكومة يتسبب غيابها في تعميق محنة الاقتصاد السوداني.

مصير الإصلاحات ودعم الموازنة

وحتى الآن، لا يزال مصير فك المساعدات الدولية مجهولاً، ومن غير المؤكد متى ستتدفق، بعد تعليق الولايات المتحدة مساعدات اقتصادية بقيمة 700 مليون دولار، كما أوقف البنك الدولي مدفوعاته بعد أن وعد بتقديم ملياري دولار في شكل منح، اما صندوق النقد الدولي، فقال إنه لا يزال “يراقب التطورات عن كثب” وكان صندوق النقد وافق في يونيو على برنامج قروض بقيمة 2.5 مليار دولار مدته 39 شهراً على أن يُخضع لمراجعة دورية.

وقف المُساعدات

وقال الوزير، إن السودان لم يتمكن من الحصول على 650 مليون دولار من التمويل الدولي في نوفمبر عندما توقفت المساعدات في أعقاب حل الحكومة، مُشيراً إلى أنّ هذا التمويل يشمل 500 مليون دولار لدعم الميزانية من البنك الدولي و150 مليون دولار في شكل حقوق سحب خاصة من صندوق النقد الدولي.

وأبدى د. جبريل, أمله في أن يعود الدعم الدولي تدريجياً خلال “3- 6” أشهر القادمة، وهو ما سيمكن الحكومة من مقابلة التزاماتها ومواصلة الإصلاحات الاقتصادية.

جهود محلية

وأكد الوزير اعتماد البلاد بشكل اساسي على إيرادات الضرائب والجمارك، والذهب، وإيرادات الشركات المختلفة، ملمحاً لعدم القدرة على توفير السلع الأساسية مثل الدقيق والوقود والدواء, قائلاً “لا استطيع أن أقول إننا نستطيع أن نغطي ذلك بالكامل. لكن الجزء الأغلب من حاجتنا من السلع الاستراتيجية نغطيها بصادراتنا”، موضحاً ان السودان سيسعى لجذب استثمارات بدلاً من الحصول على منح من دول الخليج التي تواجه تحدياتها الاقتصادية الخاصة, وأضاف قائلا “حتى الآن ليس هناك أي وعود بدعم كبير من أي بلد، عربي أو غير عربي، لكن الاتصالات مستمرة مع كل الدول الصديقة”. ولفت إلى ان الأثر الأكبر لتجميد الدعم الدولي سيقع على مشاريع التنمية ومن بينها إمدادات المياه والكهرباء والزراعة والصحة والنقل, وأضاف أنه كان يجرى وضع خطط لميزانية السودان لعام 2022 دون وضع المساعدات الدولية في الاعتبار، مع وضع هدف يتمثل في الالتزام بنسبة عجز قدرها 1.5 بالمئة، وهو الحد الوارد في برنامج تمويل صندوق النقد الدولي، وقال إنّ النمو المتوقع لعام 2022 قد يهبط من 3 بالمئة إلى ما بين 1.5 و2 بالمئة.

تحديات

وتقول الخبيرة الاقتصادية د. إيناس إبراهيم، أن الموازنة تواجه تحديات كبيرة لجهة تراجع قيمة الإيرادات وتحصيلها بصورة كبيرة جدًا، وهو ما أثر على أداء العام الجاري، وحتى الآن لم ترفع تقارير أداء توضح حجم الأداء، وتوقعت أن يكون حجم الأداء ضعيفاً للغاية في ظل تراجع قيمة الإيرادات.

وتشير إيناس في حديث لـ”الصيحة” إلى أن السياسات التي اُتّخذت في العام 2020 والدولة تصر عليها وتمضي فيها منها قضية تحرير سعر الصرف وتحرير أسعار المحروقات وزيادة أسعار الدولار الجمركي وغيرها من السياسات، قالت إنّها ستلقي أعباءً كبيرة جداً على الموازنة، الدولة ترى أنها تحقق لها بعض الموارد لكن فيها تعقيدات كثيرة جدًا تؤدي إلى تعطيل عجلة الإنتاج بصورة كبيرة، وقطعت بأن الدولة لم تدرك حتى الآن هذه التعقيدات وأثرها على الإنتاج وحجم التحديات.

واعتبرت الحديث عن الدعم النقدي المباشر حديثاً لا يسمن ولا يغني من جوع، حيث لا يمكن ان تمنح شخصاً ألفي جنيه لشهر كامل والفقير على مستوى العالم يعيش على 2 دولار في اليوم أي ما تعادل 14 أو 15 ألف جنيه سوداني في الشهر، واعتبرته أمراً غير منطقي ولا يمكن أن يؤدي الغرض مقابل السياسات التي اُتّخذت.

وأكدت صعوبة تحقيق معدل نمو موجب ومعدلات جيدة كما جاء في الموازنة خاصة بعد جائحة كورونا وبعد الفيضانات والسيول وأثرها الكبير على الاقتصاد السوداني، ودعا إلى عدم المبالغة في توقعات تحقيق معدلات نمو عالية, خَاصّةً وأنّ معدل التضخم الآن وصل مراحل قياسية توقّع أن يصل بنهاية العام الحالي في شهر ديسمبر إلى أكثر من300% ويواصل سعر الصرف مسيرته في التّراجُع المُستمر بصورة كبيرة.

شُكوك مُتزايدة

وشكّك المحلل الاقتصادي د. هيثم فتحي في قدرة الطاقم الاقتصادي ووزارة المالية على مواجهة تبعات تعليق المساعدات الدولية، موضحاً أنها ستجد صعوبة كبيرة في رفع مخصصات الصحة والتعليم، والالتزام بمجانية التعليم الأساسي، والالتزام بمجانية العلاج بالطوارئ والمُستشفيات الحكومية، وتحسين الأجور، وقال إنّ تحقيق ذلك صعبٌ خَاصّةً مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الدول المانحة خاصة الدول الخليجية ـ المصدر الأساسي للمنح – واتجاه هذه الظروف لمزيد من التعقيد بسبب انخفاض النفط ومعالجة آثار جائحة كورونا على اقتصادياتها، مشيراً إلى أن الهيئات العامة والشركات الحكومية لن تربح كثيراً في ظل الانكماش المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي من ناحية، وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن بسبب ارتفاع نسب التضخم، إلا إذا اتّجهت الحكومة إلى خصخصة جزء مُعتبر من هذه الشركات لتوفير عوائد.

ولفت فتحي إلى أن المؤشرات الكلية للاقتصاد السوداني تظهر ما يعانيه، إذ تُحاصره معدلات نمو سالبة ومعدلات بطالة وتضخم في اتجاه صعودي، مشيرًا لنمو الاقتصاد السوداني في المتوسط بمعدل 4.7% خلال الفترة من 1990-2018 وتراجع في عام 2018 لينكمش بمعدل -2.2% الأمر الذي يعني تراجعا للنشاط الاقتصادي بوجه عام على مستوى البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى