مزادات النقد الأجنبي.. شُكوكٌ حول تحجيم السُّوق المُوازي

 

الخرطوم: جمعة عبد الله         5ديسمبر2021م

درج بنك السودان المركزي على قيام مزادات للعملة الأجنبية والتي تم تنفيذها على حسب السياسات والخُطط التي رسمها المركزي وحسبما ما وضع لها من مبررات لقيامها والاستمرار فيها, سيما بعد تطبيق سياسة تعويم العُملة، وبالمُقابل فإنّ الهدف منها بحسب بنك السودان هو توفير عُملة أجنبية للقطاع الخاص عبر وسائل مُبتكرة ورسمية لتجنب السوق الموازي, خاصةً مع استمرار ضعف الجنيه أمام أسعار العملات الأجنبية.

تبعاً لحديث خبراء اقتصاديين, فإن مزادات العملة التي ينتهجها بنك السودان المركزي لم تؤثر على تخفيض السلع المستوردة, وفي ذات الوقت المزادات لم تحقق نتيجة تقدمية ولذلك تكاد تكون أقرب لسوق موازٍ مقنن، ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين أنّ فكرة مزادات بنك السودان للنقد الأجنبي المُخصّصة لتمويل استيراد السلع من الخارج، تقوم على إنهاء سيطرة السوق المُوازي لتمويل الاستيراد وجعل البنوك هي الجهة الوحيدة التي تُموِّل الاستيراد وبذلك تنهي بشكل شبه كامل دور السوق المُوازي كبوابة لتمويل واردات السودان. وبحسب أهل الاقتصاد, فإنه ليس من المتوقع هبوط سعر الدولار أمام الجنيه أو حتى هبوط أسعار السلع, غير أن المطلوب من هذه السياسات تحقيق الاستقرار في سعر الصرف ومن ثم أسعار السلع لتفادي أي انهيار في أسعار العملة الوطنية.

اشتراطات المركزي

أعلن بنك السودان المركزي، عن قيام مزاد النقد الأجنبي الرابع عشر الثلاثاء المقبل بمبلغ كلي 50 مليون دولار أمريكي، وأوضح المركزي في منشور أصدره، أمس الأول، أن المزاد يأتي إنفاذاً لسياسات البنك في تطبيق سياسة سعر الصرف المُدار وفي إطار الجهود المبذولة لاستقرار سعر صرف الجنيه السوداني، وإن المزاد الـ(15) يأتي وفق شروط محدّدة, وإن الحد الأعلى لقيمة الطلب المسموح بتقديمه من كل مصرف كنسبة من حجم المزاد الكلي 20%, وأشار المنشور إلى أن شروط دخول مزادات النقد الأجنبي تشمل تقديم العميل طلباً واحداً عبر مصرف واحد مع توضيح الرمز الائتماني والرقم الضريبي، وعلى المصرف تقديم طلب واحد يوضح فيه احتياجات العملاء، على ألا تزيد قيمة الطلب عن النسبة التي يُحدِّدها بنك السودان المركزي عند الإعلان عن المزاد، وإن الطلبات تُقدم بحد أدنى 20.000 دولار للعميل الواحد، ولفت المركزي إلى أنه يتم تسعير كل طلب في صورة أربعة أرقام عشرية لسعر الشراء، مثال: (381.8000) جنيه للدولار، مع شرط توافر رصيد كافٍ بالعملة المحلية في حساب العميل مقدم الطلب، وحذّر المركزي من أنه في حالة عدم وجود رصيد كافٍ في حساب المصرف سيتم فرض غرامة على المصرف.

سياسة مُتدهورة

يقول المحلل الاقتصادي الدكتور وائل فهمي، بغض النظر عن الأهداف التي يعلنها بنك السودان المركزي الداعمة لسياسات التحرير والاعتماد على القطاع الخاص على إجمالي العرض الكلي للسلع والخدمات في الاقتصاد السوداني, وذلك في ظل بيئة خارج سيطرة الدولة على الموارد الضخمة هذا على اقل التقديرات على حد تعبيره، وأشار إلى أن سياسة البنك المركزي الداعمة لنظام سعر الصرف المُدار الذي ظل يساهم في تدهور القوة الشرائية الخارجية للعملة السودانية وكما الحال استمرار تدهور القوة الشرائية للجنيه السوداني بسبب تفشي مرض التضخم الجامح بجسم الاقتصاد السوداني هذا من ناحية، وتابع من ناحية أخرى, إنّ إدارة سعر الصرف ينبغي أن يوضع له حدٌّ أدنى ليكون مفتوحاً للصعود إلى أعلى فقط وذلك في ظل مناخ عدم الاستقرار السياسي السائد حالياً، وأكد أن البنك المركزي لم يهتم على ما يبدو إلا لتوفير سلع الواردات التي يُعلن عنها دون إجابته على الأسئلة هل أوقفت المزادات السوق الأسود؟ وهل خفضت سعر الصرف في السُّوق نفسه؟ وهل خفضت المزادات أسعار السلع التي يستورد بدولاراتها خاصة الواردات الاستراتيجية؟ فالبترول ارتفعت أسعاره حالياً إلى 1640 جنيهاً والدواء كذلك هذا على سبيل المثال لا الحصر، وقال ما أعنيه ان سياسة المزادات، وفق اشتراطات مؤسسات بريتون وودز في تقليص دور الدولة في الاقتصاد ولو بإشراك مؤسسات القطاع العام (قانون الشراكة مثال) لم تثمر في أي عائد ملموس على المواطن حتى في توفر السلع الاستراتيجية، وواصل حديثه, ما زالت الصفوف في الأفران مرئية بجانب صفوف الوقود ما زالت مستمرة وإن قصر طولها وما زال كثير من سلع الوارد في حالة ارتفاع حتى لو افترضنا قبول معلومات النزول الهامشي لمعدل التضخم الجامح التي يصدرها الجهاز المركزي للاحصاء، وأعاب بعدم مساهمة المزادات في تخفيض البطالة التي وصلت نسبتها 45% من القوة العاملة خاصة من الشباب والفقر امام ثمرات التي عجزت عن تغطية 80% من سكان السودان، ويعتقد أن التقييم للاقتصاد الكلي هو أن توفير السلع بهذه الآلية وحدها، إن توافقنا عليها أصلاً، لا تكفي طالما تأثيرها على الأسعار والبطالة ومعيشة المواطن والاختلالات الداخلية والخارجية غير ذي تأثير، هذا ما قد يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي للناتج المحلي للسودان في آخر المطاف.

بيانات واضحة

المستشار الاقتصادي، الشاذلي عمر، يعتقد ان المزادات التي تم تنفيذها على حسب السياسات والخطط التي رسمها بنك السودان المركزي وحسب ما وضع لها من مبررات لقيام المزاد بعد تطبيق سياسة تعويم العملة، وتساءل ماذا بعد المزادات, خاصة أنه لا يوجد أيِّ مؤشر لقياس الأداء لهذه المزادات ومدى تأثيرها على تحقيق الهدف منها، وقال إنّ الهدف منها بحسب بنك السودان هو توفير عملة أجنبية للقطاع الخاص عبر وسائل مبتكرة ورسمية لتجنب مزادات السوق الموازي، نافياً وجود أي بيانات واضحة لتلك المزادات على نتائج وقياس مؤشراتها لتحقيق الأهداف المرجوة منها.

حبرٌ على ورق

ويرى الشاذلي أن الأسواق التي ابتليت بالتضخُّم المُستمر فهذا مؤشرٌ لتلك المزادات إن لم تؤثر على الأسعار اليومية التي يُعاني منها المواطن البسيط تعتبر (حبرا على ورق)، وأشار إلى أن السوق الأسود لن تتم السيطرة عليه عبر المزادات, بل تمت السيطرة عليه وفق قانون العرض والطلب خاصةً بعد رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وخروج السودان من القائمة السوداء التي تحد من تعامله مع المصارف الدولية، ولفت إلى أن هذا ساعد المغتربين من تحويل مدخراتهم وتحويلها عبر الطرق الرسمية بما أحدث وفرة في القنوات الرسمية، وتابع قائلاً إن هناك تحويلات ضخمة تأتي سنوياً من المغتربين وهذه لها أثرٌ كبيرٌ جداً وهذا قياساً على عدد المغتربين المتواجدين خارج البلاد في كل قارات العالم وتأثيرهم عندما يُحوِّلون بالطرق الرسمية مُقارنةً بالسنوات الماضية التي كانت فيها الفُرص المُتاحة للمُغتربين عبر السوق السوداء، وأكد أنّ المزادات لم تؤثر على السلع المستوردة, وفي ذات الوقت المزادات لم تحقق نتيجة, ولذلك يرى أنها عبارة عن سوق أسود مُقنّن!!!

سيطرة المُوازي

يقول المحلل الاقتصادي الدكتور، الفاتح عثمان, إن فكرة مزادات بنك السودان للنقد الأجنبي المخصصة لتمويل استيراد السلع من الخارج تقوم على إنهاء سيطرة السُّوق المُوازي على تمويل الاستيراد وجعل البنوك هي الجهة الوحيدة التي تمول الاستيراد وبذلك تنهي بشكل شبه كامل دور السُّوق المُوازي كبوّابة لتمويل واردات السودان، وأضاف: هذا هو ما سيؤدي إلى جعل البنوك الجهة الرئيسية لتلقي التحويلات المصرفية من قبل العاملين السودانيين في الخارج لما يؤدي لاستقرار في سعر الصرف للجنيه السوداني، وذكر أنه ليس من المتوقع هبوط سعر الدولار أمام الجنيه السوداني ولا هبوط أسعار السلع،  وأشار إلى أن المطلوب من هذه السياسات تحقيق الاستقرار في أسعار السلع وفي سعر الصرف للجنيه السوداني والحيلولة دون انهيار سعر الصرف للجنيه، ونوه إلى انّ الاضطرابات السياسية الحالية تُهدِّد بتدمير تلك المكتسبات، واستطرد قائلاً: أدى إغلاق الميناء والطرق المؤدية له إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع المستوردة خاصة السكر والبن, بينما أدت التغييرات الأخيرة لتجميد الدعم من المانحين الدوليين وهي أمور إذا استمرت ستؤدي إلى انهيار سعر الصرف للجنيه السوداني وارتفاع متواصل في أسعار السلع وصُعوبات بالغة في تمويل الدعم النقدي والخدمات مثل المياه والكهرباء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى