محمد البحاري يكتب : تطبيع فني!!

 

 

بدون أدنى شك ان الدراما المصرية استطاعت أن تجد حيزاً ومكانة كبيرة جدًا داخل وجدان الشعب السوداني، أذكر تماماً كيف كنا نتحلق أمام التلفاز بشغف كبير ونحن نتابع مسلسل (الخديعة) بطولة الفنان محمود مرسي ومسلسل (ارابيسك) من بطولة صلاح السعدني وهالة صدقي لا انفي حتى هذه اللحظة شغفي بهذا المسلسل والدور الذي لعبه صلاح السعدني، الذي جسّد فيه شخصية ود البلد الشهم.

وهناك مسلسلات مثل (الضوء الشارد) و(ليالي الحلمية) وجدت القبول والمتابعة بشكل كبير من كافة الشعب السوداني حتى صرنا نعرف أسامة أنور عكاشة هذا الكاتب الذي يجد الوصفات العلاجية لكثير من المشكلات الاجتماعية من خلال الدراما, وتعرّفنا على الموسيقار عمار الشريعي من خلال الموسيقى التصويرية والمخرج إبراهيم الصحن والكثير من المبدعين المصريين من خلال أعمالهم، وايضا لعبت المسلسلات الدينية دورا كبيرا في التوعية بكثير من الشخصيات والمعارك الإسلامية.

في ذلك الوقت ونحن صغار كنا نقوم بعمل سيوف من الحديد ونتقاتل كفارا ومسلمين, فهذا إن دل فإنما يدل على التأثير الكبير الذي لعبته وظلت تلعبه الدراما المصرية. وعلى الرغم من المنافسة الكبيرة جداً بينها وبين الدراما التركية، مازالت الدراما المصرية هي المسيطرة على المشاهد السوداني من خلال المسلسلات التي تُطرح وتناقش قضايا تلامس المجتمع السوداني.

مسلسل رأفت الهجان يعتبر من أقوى الإنتاجات الدرامية على الإطلاق وقد اكتسب تلك القوة للدور الكبير الذي لعبه نجوم الدراما المصرية في هذا المسلسل والدور المتميز الذي لعبه الفنان النجم الراحل محمود عبد العزيز الذي شكّل بالنسبة له نقلة كبيرة في حياته الفنية ويبقى نجاح (رأفت الهجان) في اعتقادي لأنه ضرب على الوتر الحسّاس في العلاقة بين العرب واليهود والعمل الاستخباراتي الضخم،

في ظني ان (رأفت الهجان) رفع حجم الوعي للمشاهد بالعمل المخابراتي الكبير لدولة إسرائيل. بالذات داخل دولة مصر الشقيقة لما لها من أهمية استراتيجية.. ولمثل ذلك تداخل فني كبير وتمازج مجتمعي، يصعب الحديث عنه في العلن وأنجب هذا التداخل الفنانة والممثلة المصرية (ليلى مراد) التي تنحدر من أسرة يهودية الأصل فاسمها الحقيقي ليليان والدها هو الملح  زكي مراد موردخاي (زكي مراد) وابنها الفنان زكي فطين عبد الوهاب.

في تقديري أن الفنون بمجملها ذات تأثير أقوى وأسرع من السياسة في المزج والربط بين الشعوب دون النظر إلى العرقيات والأديان.. مثالي في ذلك أيضاً أن العلاقة بين من مصر والسودان علاقات تجذرت وتعمقت فنياً فأصبح الفن جزءاً من تلك العلاقة الممتدة وتحدثت في ذلك بصورة أكثر تفصيلاً لإذاعة (وادي النيل) في برنامج (إعلام الفكر والثقافة) مع الإعلامي عادل عطية الذي أكد لي بأن العلاقات المصرية زادت وأصبحت أكثر تأثيراً بفعل الفنون والثقافة, واكدنا على الدور الكبير والمتعاظم الذي لعبته الفنون في تلك العلاقة المتجذرة. أذكر تماماً كيف قادتني تلك العلاقة لدخول أول مباراة داخل الإستاد وهي مباراة الجزائر ومصر التاريخية, وتعرّفت عن قرب على الجمهور المصري وطريقته الفنية في التشجيع والمساندة, وأذكر كيف خرجت من الإستاد حاسر الرأس متألماً كما الأشقاء المصريين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى