المواقف الصفرية.. هل تُعقِّد المشهد السياسي؟!

 

تقرير- صلاح مختار     2 ديسمبر2021م 

بحسب ما يراه رئيس الوزراء، د. عبد الله حمدوك، ويعبر عنه دوماً فإنه لا توجد أشياء قطعية في عالم السياسة طالما أن الجميع يتحاور لتقريب وجهات النظر, وقال في رسالة على الصفحة الرسمية لمكتب رئيس الوزراء بموقع “فيسبوك”، (أما المواقف الصفرية والحدية فتؤدي إلى تعقيد الموقف). وأضاف أن (أول بند في الاتفاق الإطاري تحدث عن الوثيقة الدستورية, بينما البند الثاني أتاح إمكانية تعديل تلك الوثيقة مما يفتح الطريق لخارطة طريق لاستكمال ما تبقى من الفترة الانتقالية), وتابع بالقول (إننا نتجه إلى مناخ سياسي لا يسمح بضرب المتظاهرين, لأنّ التظاهر حق انتزعه السودانيون عبر عشرات السنين من النضال).

ممارسة الديمقراطية

ورغم أن حمدوك دعا لجان المقاومة وكل القوى الحية لممارسة الديمقراطية, إلا أن تنسيقيات لجان المقاومة بالخرطوم كانت قد دعت إلى تنظيم مسيرات حاشدة، إلى القصر الجمهوري رفضاً للاتفاق السياسي الأخير, وقالت في بيانها إنها اتفقت على أن يكون القصر الجمهوري وجهة مشتركة للمواكب، تعبيراً عن موقف ثابت (لا تفاوض.. لا شراكة.. لا مساومة), وهو ما يعتبره المراقبون أحد المواقف الصفرية التي تزيد الموقف السياسي تعقيداً وتضاعف من الاحتقان وتقلل من فرص الحوار, ويعد مراقبون أيضاً بيان التنسيقيات التي قالت فيها (موقفنا من السلطة كان ولا يزال واضحاً، ولا نفرق بين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وبقية الجنرالات) يعد إغلاقاً لأبواب الحوار والاتفاق على الحد الأدنى, إذن هل تجهض المواقف الصفرية جهود رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في العبور بالبلاد إلى مرحلة الانتصار؟.

فن الممكن

ولأنّ السياسة كما يُعرف هي فن الممكن, فإن الوقوف خلف المواقف الصفرية والحدية, تقود بلا شك إلى صدام لأنّ السياسة لا ثوابت تقف عليها.
ولذلك يقول المحلل السياسي د. أبوبكر آدم، إن المعطيات الحالية للواقع في البلاد تشير إلى عدمية وصفرية الحل السياسي, من خلال ما يطلبه الشارع وواقعية الطرح الذي ينادي به, وأرجع ذلك إلى أسباب منها القطعية في الطرح وعدمية الهدف، وقال لـ(الصيحة) إن طبيعة القوى المتصارعة على الشارع ذات طبيعة كما وصفها بأنها (ذات خيارات صفرية تجاه الحكومة والدولة التي يمثلها البرهان), وبالتالي تصطدم خيارات تلك القوى بالمؤسسات التي من شأنها الحفاظ على أمن وسلامة البلد, ولذلك فإن تلك الأطراف تراها انها جزء من الأزمة وليس الحل, وتابع (كل طرف من الأطراف المتصارعة لديه ما يشبه بحاضنته الخاصة التي تخدم أجنداته، لهذا لا يمكن تخيل أن يحدث أي شكل من أشكال التوافق على حكومة انتقالية بين الأطراف التي تحمل هذا القدر من العداوة والصراع مع الآخر), ولذلك النظر إلى أفق أبعد للأزمة في البلاد يمكن أنه شبّه بأنه مسدود وصورة قاتمة، فالصورة المتوقعة للبلد في المستقبل القريب هي صورة دولة تعيش حالة من الفوضى التي يمكن تسميتها بالفوضى المنضبطة التي يضبط إيقاعها المتحكمون فيها, غير أنه لا يأبه بتلك الأطراف حينما يكون الطرف القوي يفرض أجندته وحواره على الجميع, بحيث لا يكون هنالك أفق مسدود, ربما التواضع لإنصاف الحلول من شأنه يجنب تلك الحدية التي يطرحها البعض.

شرعنة الاتفاق

الشعارات التي يرفعها المتظاهرون في المواكب كانت دالة بقطعية المطالب (لا تفاوض لا شراكة لا.. لا.. لا), ولأنها صادرة من الشعب, فإنّ القيادي بحزب البعث عادل خلف الله يقول لـ(الصيحة), إن شرعيته الحاكم مستمدة منه, وأضاف أن المواكب جانب منها جددت رفضها للإجراءات التي اتخذها البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي كما قال شرعنته بالاتفاق مع حمدوك, ولا يرى خلف الله في الاتفاق انه يلبي طموحات الشارع ولا قدر تطلعاته وإرادته, وهو يقول إذا ارادوا ان يسموه ما يسموه يبقى الحل في تجاوز الحلول الهابطة ودون الطموحات ومستوى التطلعات سيكون مصيره معزولاً, وأكد ان الخروج من الأزمة يكمن في احترام إرادة الشعب والتمسك بتطلعاته واحترام حقه في مواصلة تعبيره السلمي الذي حدّد سقفه بإقامة الدولة المدنية, تستمد سلطاتها المدنية وإدارة كافة مكوناته ومؤسساته بسلطة مدنية.

الحد الأدنى

وللخروج من الحلول القطعية والصفرية, دعا خلف الله إلى تكوين حكومة تسيير أعمال مهمتها تهيئة البلاد للدخول في انتخابات ديمقراطية وحرة تمكن من اختيار الشعب من إرادة شؤونه وتحقيق تطلعاته التي حددها وهزمها قوى الردة, وأكد أن تنظيمهم دعا للوصول إلى تفاهمات من خلال إعلان 2019, ولكن الاتفاق السياسي أو الإعلان السياسي الذي وقع أخيراً كان دون مستوى ما يتطلع إليه الشعب, واعتبر ما جرى في الفترة الماضية خلاصة للحلول الشعبية التي تعبر عن الحد الأدنى الذي يتطلّع إليه الشعب, ورأي ان واحدة من منجزات ثورة ديسمبر المتجددة أدخلت البلاد مرحلة ثورية, وان القوى المؤهلة والقادرة التي تؤمن بإرادة الشعب لا صفرية في مُعادلتها, وإنما تلك القوى الميتة التي تسمى الأشياء بغير أسمائها.

نقطة الوصول

إن استمرار المعادلة الصفرية التي يستخدمها البعض مع الطرف الآخر، والتي تقوم على مبدأ (إما نحن وإما هم)، فإنّها تستعدي أن يقوم الطرف المُضاد إلى تكثيف مُحاولات كسر هذه المُعادلة والخروج عن قواعد اللعبة أو السقف المحدد لها من قبل الدولة, كان يتم قمعها أو محاولة تحطيمها وكسرها ومحاولة استئصالها، في كل الحالات لا بد من النظر إلى أبعد من ذلك وطرح الممكن في ظل ظروف معقدة للوصول إلى نقطة الوصول.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى