أحمد موسى قريعي يكتب : الإسلام السياسي.. يوميات البارود والدم (30)

2ديسمبر2021م 

اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال (2)

في السطور التالية سوف أتعرّض لمرحلة محاكم العاصمة كما “وعدتكم” بشيءٍ من التفصيل وذلك على النحو التالي:

أولاً: محاكم قبيلة آبغال (محاكم شمال مقديشو)

كما ذكرت سابقاً أن المحاكم الإسلامية في الصومال في أول نشأتها كانت “محاكم قبائل” أي نشأت كاستجابة لنداء القبيلة من أجل القيام بمهمة حفظ  الأمن والنظام كمحاكم شمال وجنوب مقديشو.

في سنة 1993م, بدأت حدة القتال بين الجنرال”محمد فارح عيديد” الذي كان يُسيطر على جنوب العاصمة، والرئيس “علي مهدي” الذي كان يُسيطر على شمالها تنحسر، إذ سارت الأمور في اتجاه هزيمة الرئيس “علي مهدي”، الأمر الذي أدى بدوره إلى إشاعة الفوضى في شمال العاصمة، فاجتمع وجهاء وأعيان وتجار قبيلة “آبغال” واتفقوا على تأسيس محكمة إسلامية شرعية عشائرية وكان ذلك في أول سنة 1994م بهدف استعادة الأمن وسد الفراغ الذي خلفته هزيمة الرئيس “علي مهدي” في شمال العاصمة، وأُسندت رئاسة المحكمة للشيخ “علي محمود طيري” الذي استعان ببعض المليشيات لبسط هيبة المحكمة على أرجاء واسعة من الشمال الصومالي، وبالفعل استطاعت هذه المحكمة لتصبح مجموعة مَحاكم، وتفرض النظام والاستقرار عن طريق أحكام رادعة شملت القصاص والرجم والإعدام.

تكوّنت هيئة محكمة “آبغال” من بعض العلماء وشيوخ الدين التقليديين أمثال الشيخ “شريف محيي الدين” الذي تم اختياره رئيسًا لمجلس شورى المحكمة، إلى جانب الرئيس التنفيذي للمحكمة الشيخ “علي طيري”.

إلا أن هنالك خلافَا وقع بين الشيخ “شريف” بسبب اعتراضه الدائم على الصرامة في تطبيق الحدود التي كان يتبعها الشيخ “طيري” ذو الميول السلفية المُتطرِّفة.

لكن لم يكن لهذا الخلاف أي تأثير على المحكمة التي عُظم نفوذها وذاعت مكانتها بين الناس، لكن طموح الشيخ “طيري” السياسي والتوسعي قد أحدث شرخًا في قبيلة “آبغال” فانقسمت القبيلة على نفسها, وبالتالي ضعُف نفوذها فأصبحت فريسة في يد زعيم الحرب الرئيس “علي مهدي” الذي قام بحل المحكمة في سنة 1997م, مُستعينًا بالحكومة الإثيوبية وعمل على تفكيك أجهزتها القضائية ومليشياتها، فظلت محاكم الشمال “محبوسة” داخل قبيلة “آبغال” التي أنشأتها لتقوم بدور ثانوي هو حل الخلافات التي تنشب بين أفراد القبيلة قبل أن تعود إلى الصدارة مرة أخرى.

ثانياً: محاكم قبيلة هبرغدر (محاكم جنوب مقديشو)

هنالك مجموعة من المحاكم الشرعية الخاصة بقبيلة “هبرغدر” والتي تم تأسيسها سنة 1996م في جنوب العاصمة مقديشو بعد وفاة زعيم الجنوب الرئيس القوي “محمد فارح عيديد” وتعيين ابنه الضعيف “حسين عيديد” خلفًا له، وهنا يجدر بي أن أُشير إلى نقطة مهمة وهي أنّ إنشاء أو اختفاء المحاكم في أي منطقة في الصومال مرتبط بشكل مباشر بتغيير “ميزان القوى” في المنطقة المعنية، فكلما ضعُف نفوذ أمراء الحرب نشأت المحاكم، وكلما قوي نفوذهم اختفت المحكمة، فكما رأينا قيام محاكم الشمال عندما تمت هزيمة الرئيس “علي مهدي” واختفائها عندما استعاد قوته وذات الأمر انطبق على محاكم الجنوب التي اختفت في عهد الرئيس “عيديد الأب” وأطلت برأسها في عهد الرئيس “عيديد الابن”.

المرحلة الثالثة: مرحلة ظهور المحاكم كنظام قضائي

لم تتوقّف جهود رجال الأعمال وشيوخ القبائل في دعم رجال الدين لتأسيس المحاكم الإسلامية، ففي سنة 1996م, قام رجال الأعمال في العاصمة “مقديشو” بالاشتراك مع زعماء العشائر بتمويل المحاكم الإسلامية حتى تظهر بشكل قوي بغرض استحداث نظام قضائي يستطيع حماية مصالحهم، ويقوم بتوفير السلع والخدمات الضرورية للمواطنين، ويفرض الأمن والنظام في العاصمة.

إلا أنّ الخلافات السياسية والقبلية التي هزّت سنة 1996م قد ألقت بظلالها على المشهد الصومالي، الأمر الذي أدّى إلى تحجيم دور المحاكم، وبالتالي انكمشت على نفسها وانحصر دورها في نزاعات التحكيم والقضاء بين الخصوم من غير أن يكون لها أي دورٍ سياسي أو عسكري في هذه المرحلة.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى