الأربعاء الدامي.. مَن يقتل الثُّوّار؟!

تقرير: مريم أبشر

سُجِّل يوم أمس الأول الأربعاء الموافق السابع عشر من نوفمبر في تاريخ تظاهرات ثورة ديسمبر بأنه اليوم الأكثر دموية منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي, التاريخ المتزامن مع قرارات قائد الجيش الفريق البرهان التي حلّ بمُوجبها حكومة الفترة الانتقالية  وجمّد بعض مواد الوثيقة الدستورية, وحسب إحصائية لجنة الإطباء المركزية المصدر الوحيد المتاح لتمليك المعلومات حول القتلى والجرحى والمصابين في ظل حديث الشرطة بأنها لم تحص القتلى والذي يستوجب إجراءات محددة, فإن عدد القتلى بلغ خمسة عشر شهيداً قابل للزيادة، موزعين بين مدن العاصمة المثلثة الثلاث الخرطوم، بحري وأم درمان, وأن بحري كانت أكثر المدن عدداً من الشهداء الشباب، غير أن الشرطة نفت ابتداءً وقوع شهداء قبل ان تعود وتقر بوجود قتلى, بيد أنها أشارت لعدم معرفة العدد الحقيقي, لجهة ان كثيرا من الحالات لم تُدوّن لها بلاغات في أقسام الشرطة.

تعتيمٌ

أسهم قطع شبكة الهواتف النقالة والانترنت في عزل السودان وتغييب المعلومات الحقيقية, الامر الذي دفع بعدد ممن يطلون عبر القنوات الفضائية للدخول في مغالطات حول إحصائية الشهداء, منطلقين من زوايا انتماءاتهم الحزبية الضيقة، في وقت يفقد فيه السودان يومياً عدداً من شبابه المتطلع للحكم المدني وبناء دولته الحديثة. لكن الثابت وبالأسماء أن عدد الشهداء في التظاهرات الرافضة لقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر منذ إعلانها حتى الآن أربعون شهيداً في إحصائية تعد الأعلى كلفة في الأرواح وسط شباب ينشدون المدنية ويتظاهرون بالسلمية خلاف أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين، في وقت لم يتجاوز عدد الشهداء حسب إحصائية متابعين، منذ بداية التظاهرات وحتى سقوط نظام المخلوع ثماني وأربعين شهيداً.

يوم أسود

عاشت الخرطوم أمس الأول, يوماً حزيناً وسجّلت الأربعاء يوماً أسود في تاريخ ثورة  ديسمبر المجيده المطالبة بالسلام والحرية والعدالة, متخذة من السلمية شعاراً لها، فكما اعتاد المتظاهرون منذ التاسع عشر من ديسمبر في العام 2018 أن تبدأ المناوشات بينهم والأجهزة الأمنية بإطلاق الأخيرة للقنابل المسيلة للدموع والأعيرة الصوتية لتفريق جموع المتظاهرين, وكثيراً ما يلجأ الشباب الثائر لرشق الأجهزة الأمنية بالحجارة لصدهم عن مطاردتهم، غير أن التظاهرات الأخيرة التي جاءت بترتيب وتنسيق من لجان المقاومة والثوار الرافضين لقرارات الجيش, كان التعامل معها هو الأعنف والأكثر في حصائل خسائرها البشرية من الشباب ما بين قتيل وجريح, نظراً للأعداد الكبيرة من الشهداء الذين ارتقوا إلى ربهم.

ونقلاً عن وكالة “فرانس برس”، فإن قوات الأمن أطلقت قنابل الغاز المُسيّل للدموع في وسط الخرطوم ومنطقة بحري، في وقت مبكر لتفريق المتظاهرين في ظل انتشار كثيف للقوات الأمنية وإغلاق بعض الجسور الرابطة بين المدن الثلاث لقطع الطريق أمام أي مُحاولة لتجمعات كبيرة للثوار, في ذات الوقت تم قطع كل خدمات الاتصالات الهاتفية, إلى جانب الاستمرار في قطع الإنترنت الأرضي, وحسب ما اعتاد عليه المتظاهرون فإن الوسيلة الوحيدة المتاحة لهم لتبادل المعلومات هي الرسائل النصية قبل أن يفقدها الثوار هي الأخرى مع قطع خدمات الهواتف.

الكل خاسرٌ

الفريق محمد بشير حمّل القوى السياسية وكل الفاعلين فى الساحة السياسية مسؤولية ما يحدث الآن, واشار الى أن الصراع الآن بين قوتين وهنالك انسداد في الأفق، دفع الشباب لمآلات مجهولة, وتساءل الفريق بشير هل موت الشباب يفرح البعض؟، واشار الى رفض الحوار من كل الجهات يزيد من انسداد الأفق ويجلب المواجهات، وزاد في حديثه لـ(الصيحة) “الذي تقاومه يقاتلك”, وشدد الفريق بشير, على أهمية الحوار واعتبره الوسيلة الوحيدة لحل كل الخلافات, واتهم بعض القوى بقيادة الشباب نحو المحرقة بسبب التحريض ـ دون تحديد تلك القوى التي تتسبّب في قتل الشباب ـ وقال ان الجميع يقاوم من أجل الكرسي وان يحكم, ولفت للأبعاد الخارجية, وقال هنالك عمل ممنهج ضد السودان, ولم يستبعد أن يصوب كل من يحمل بندقية نحو الآخر, وتساءل الفريق ألا يوجد رجل رشيد يضع افكاراً وخططاً لمعالجة الوضع دون مواجهات يكون ضحيتها الشباب؟ مبيناً أن السودان في أمسّ الحاجة لشبابه كونهم عماد المستقبل وطاقاته الاقتصادية والسياسية.

ضد الشرائع

وصف الفريق محمد بشير الوضع بالخطير, واشار الى ان استخدام القوة دون حساب يُعد ضد الشرائع حتى لو كنت في موقع يدعو لاستخدام القوة, وزاد “ألا يخجل هؤلاء الذين يجلسون في مكاتبهم ويشاهدون في القنوات قتل الشباب؟” ونظراً للخسائر الكبيرة في أرواح الشباب وبجانب الجرحى والمصابين, فإن الكل في نظر الفريق خاسرٌ وليس هنالك منتصرٌ إذا كان الفاعل القوات النظامية أو غيرها..!!

الكراهية

لفت الفريق بشير في حديثه لـ(الصيحة) إلى أنّ الفترة الماضية اتّسمت بخطاب الكراهية والروح الهجومية ضد القوات النظامية بشكل خاص, لافتا الى ان النفس البشرية بشكل عام ترفض الهجوم والاستهداف, وقال “القوات المسلحة بشر وليسوا ملائكة”, ولم يستبعد أن تكون الروح الهجومية أحد الأسباب التي دفعت لقرارات الخامس والعشرين من اكتوبر, ولفت لعدم وجود مشروع وطني يدافع الشباب عنه, وقال ان السلمية فقدت قيمتها, وطالب القوى السياسية وكل الفاعلين في الساحة السياسية بوضع منهج جديد في السياسة السودانية يُخرج البلاد من المأزق الذي تعيش فيه الآن.

مُحرّمٌ وضد المواثيق

أياً كانت المبررات, فإن قتل النفس مُحرّمٌ دينياً وغير لائق ويتعارض مع المواثيق الدولية وحقوق الإنسان هذا ما يراه الدكتور والخبير الاكاديمي عبد الرحمن أبو خريس, الذي حمّل الحكومة مسؤولية قتل الشباب, وقال “عليها أن تجري تحقيقاً شفافاً وتعرضه على الشعب السوداني حول مَن قتل المتظاهرين منذ الخامس والعشرين من أكتوبر وحتى الآن”, ولفت لتضارب ارقام القتلى بين الاجهزة الرسمية والجهات الاخرى وما يرد في الإعلام, واصفاً تعامل الشرطة والأجهزة الأمنية حيال تمليك المعلومات بالبطئ, فضلاً عن قطع الإنترنت وخدمات الهواتف, وطالب بأهمية تطبيق مبدأ العدالة حيال المُتورِّطين في قتل الشهداء, كما طالب الحكومة بعمل قانون للتظاهر يسمح للمتظاهرين بممارسة حقهم في التظاهر دون تعطيل دولاب العمل للمُواطنين خاصة أصحاب المهن اليومية.

الشرطة تتبرّأ

وفي الوقت الذي أشارت فيه أصابع الاتهام للشرطة بإطلاق الرصاص على الثوار, تبرأت الشرطة من الاتهام, بل وكشفت عن تعرض 89 من منسوبيها للإصابة.

وقال مدير شرطة ولاية الخرطوم الفريق زين العابدين عثمان خلال مؤتمر صحفي عقدته الشرطة مساء أمس, إنهم ظلوا وطوال فترة العامين الماضيين يعملون على تأمين المواكب, مُبيِّناً أن الشرطة احتسبت خلال ذلك شهيدين, أحدهما بالرصاص في تظاهرات يوم 3 يونيو الماضي, وأشار إلى أن تطوراً طرأ في المواكب الأخيرة, حيث أصبحت الشرطة تتعرّض باستمرار لهجوم المتظاهرين, وقال “هناك مندسون وسط الثوار”, لافتاً إلى أن تظاهرات الأمس أسفرت عن تدمير وحرق 4 عربات شرطة, بينما تمّت مُهاجمة قسم الصحافة في 13 نوفمبر وحرق عربة القسم.

إقرار

وإن كان بيان صدر عن الشرطة صباح أمس نفى وجود قتلى عدا واحد فقط, إلا أنّ مدير شرطة الخرطوم أقر بسقوط قتلى خلال تظاهرات الأمس, بيد أنّه أكّد عدم معرفتهم بعددهم, مبيناً أن الشرطة تستسقي بياناتها من الأقسام ولم يتم تدوين أي بلاغات قتل, مؤكداً أنهم يتحققون الآن من الأعداد التي تتناولها وسائل التواصل للتحقق منها, ودعا المواطنين للتبليغ عن حالات القتل, وقال “مَن يرى رجل شرطة يطلق النار عليه أن يتوجّه لقسم الشرطة ويُدوِّن بلاغاً بذلك, وسنتحرّى عن الأمر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى