نبيل البيلى يكتب: نصائح غالية إلى البرهان والثُّوّار

نصائح غالية إلى البرهان والثُّوّار

نبيل البيلى

النصيحة بجمل:

يُحكى أن رجلاً ضاقت به سبل العيش, فقرر أن يسافر بحثاً ن الرزق فترك بيته وأهله وسار بعيداً, وقادته الخُطى إلى بيت أحد التجار الذي رحّب به وأكرم وفادته, ولما عرف حاجته عرض عليه أن يعمل عنده فوافق الرجل على الفور وعمل عند التاجر يرعى الإبل.

وبعد عدة سنوات اشتاق فيها الرجل لبيته ورؤية أهله, فأخبر التاجر عن رغبته في العودة إلى بلده فعز عليه فراقه لصدقه وأمانته فكافأه وأعطاه بعضاً من الإبل والماشية.

سار الرجل عائداً الى أهله وبعد أن قطع مسافة طويلة في الصحراء القاحلة, رأى شيخاً جالساً على قارعة الطريق ليس عنده شيء سوى خيمة منصوبة بجانب الطريق, وعندما وصل إليه حياه وسأله ماذا يعمل لوحده في هذا المكان الخالي وتحت الشمس؟ فقال له: أنا أعمل في التجارة فعجب الرجل وقال له: وما هي تجارتك؟ فقال له الشيخ: أنا أبيع نصائح فقال الرجل: وبكم النصيحة؟ فقال الشيخ: كل نصيحة بجمل.

فأطرق الرجل مفكراً في النصيحة وفي ثمنها الباهظ الذي عمل طويلاً من أجل الحصول عليه, ولكنه في النهاية قرر أن يشتري نصيحة, فقال له: هات لي نصيحة, فقال الشيخ “إذا طلع سهيل لا تأمن السيل”, قال في نفسه مالي ولسهيل في هذه الصحراء الموحشة وماذا تنفعني هذه النصيحة في هذا الحر, وعندما وجد أنها لا تنفعه, قال للشيخ هات لي نصيحة أخرى وسأعطيك جملاً آخر.

فقال له الشيخ “لا تأمن لأبو عيون زرق وأسنان فرق”, تأمّل صاحبنا هذه النصيحة أيضاً وأدارها في فكره ولم يجد بها أي فائدة, فقال للشيخ هات النصيحة الثالثة وسأعطيك جملاً آخر, فقال له “نام على الندم ولا تنام على الدم” ولم تكن النصيحة الثالثة بأفضل من سابقيها, فترك الرجل ذلك الشيخ وأعطاه الجمال الثلاثة وساق ما بقي معه من إبل وماشية وسار في طريقه عائداً الى أهله عدة أيام نسي خلالها النصائح من كثرة التعب وشدة الحر.

وفي أحد الأيام, أدركه المساء فوصل إلى قوم نصبوا خيامهم في قاع وادٍ كبيرٍ, فتعشى عند أحدهم وبات عنده, وبينما كان يتأمّل النجوم شاهد نجم سهيل فتذكر النصيحة التي قالها له الشيخ فقام سريعاً وأيقظ صاحب البيت وأخبره بقصة النصيحة وطلب منه أن يخبر قومه حتى يخرجوا من قاع ذلك الوادي, ولكن المضيف لم يكترث له فقال الرجل: والله لقد اشتريت النصيحة بجمل ولن أنام في قاع هذا الوادي.

فقرر أن يبيت على مكان مرتفع فأخذ إبله وماشيته وصعد الى مكان مرتفع بجانب الوادي, وفي آخر الليل هطل المطر بشدة وجاء السيل يهدر كالرعد فهدم البيوت وشرّد القوم, وفي الصباح سار عائداً نحو أهله, وبعد يومين وصل الى بيت في الصحراء, فرحّب به صاحب البيت وكان رجلاً نحيفاً خفيف الحركة وأخذ يزيد في الترحيب به والتودد إليه حتى أوجس منه خيفةً’ فنظر إليه وإذا به “ذو عيون زرق وأسنان فرق” فقال: آهـ هذا أوصاني عنه الشيخ أن به نفس المواصفات لا ينقص منها شيء, وفي الليل تظاهر الرجل بأنه يريد أن يبيت خارج البيت قريباً من إبله وأغنامه وأخذ فراشه وجرّه في ناحية ووضع حجارة تحت اللحاف وانتحى مكاناً غير بعيد يُراقب منه حركات مُضيفه, وبعد أن أيقن المُضيف أن ضيفه قد نام أخذ يقترب منه على رؤوس أصابعه حتى وصله ثم هوى عليه بسيفه بضربة شديدة ولكن الضيف كان يقف وراءه فقال له: لقد اشتريت النصيحة بجمل ثم ضربه بسيفه فقتله وساق إبله وماشيته وقفل عائداً نحو أهله.

وبعد مسيرة عدة أيام وصل ليلاً الى منطقة أهله وسار ناحية بيته ودخله فوجد زوجته نائمة وبجوارها رجل فاغتاظ لذلك ووضع يده على حسامه وأراد أن يهوي على رؤوس الاثنين وفجأةً تذكر النصيحة الثالثة التي تقول “نام على الندم ولا تنام على الدم” فهدأ وتركهما على حالهما وخرج من البيت وعاد إلى أغنامه ونام عندها حتى الصباح.

وبعد شروق الشمس ساق إبله وأغنامه واقترب من البيت فعرفه الناس ورحّبوا به واستقبله أقاربه وقالوا له تركتنا فترة طويلة انظر كيف كبر خلالها ابنك حتى أصبح رجلاً ونظر الرجل إلى ابنه وإذا به ذلك الشاب الذي كان ينام بالأمس بجانب زوجته, فحمد الله أن هداه إلى عدم قتلهما, وقال في نفسه حقاً كل نصيحة أحسن من جمل.

كم من يتكبّر ويتجبّر إذا نصحته اليوم هذه النصائح الى القائد العام البرهان:

مَرّ السودان بظروف صعبة جداً وكان هَمّ الأحزاب المشاركة كي تقوي شوكتها لتفرز سمومها ضد الذين يقفون عثرة ضد مصالحها, وأعلم لا ينام إلا مرتاح الضمير, لا بد من تشكيل حكومة انتقالية تعمل لمصلحة الوطن أولاً وأخيراً, لم تعقم حواء السودانية من الولادة, سوف تجدون من يبحث عن مصلحة الوطن قبل مصلحته الشخصية, الشعب السوداني صبر صبراً طويلاً ولا بد من أن يرتاح في حياته اليومية التي صارت أجحم من جحيم.

النصيحة إلى الثوار:

لقد شهد العالم أجمع على نجاح ثورتكم, ولكن طالتها يد الأحزاب وسرقتها وأصبح همّها كيف تُمكِّن نفسها, ونست جميع الأحزاب دم الشهيد الذي خرج من أجل عيشةٍ كريمةٍ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى