صلاح الطيب الأمين يكتب : أين تذهب أموال المعاشيين؟ مَن الذي يتصرّف في استخدامها..؟

مدخل:

كل كثير مسكر… قليله حرام

فأعلن الصيام عن إذاعة النظام…

وأعلن الصيام عن صحافة النظام…

وأعلن التوبة ألف مرة…

عن خطب الحكام…

واستغفر الله على عمر مضى…

صدقت في مرة…. وسائل الإعلام

 

منذ فجر الاستقلال أسّس ذاك الجيل الجميل من المعاشيين ثوابت راسخة من الجدية والمسؤولية واحترام العمل، تحكمهم الرقابة الذاتية والمرجعية الأخلاقية وتميِّزهم المهنية الرفيعة، كمالاً في السلوك وإرثاً من الأخلاق، وثقة من التطلع، وصدقاً في التوجه، إضافةً إلى ما يتّصف به موظف ذلك الزمن الزاهر من كاريزما لا تُخطئها العين، أرسى أولئك الأفذاذ قوائد الديمقراطية الحقيقيّة منهجاً والتزاماً وتجرُّداً وأسلوب حياة. أكملوا رسالتهم حسماً وعدلاً ووضوحاً، وهم الآن في جحيم المعاش يحدقون في الوعود السراب يمضغون الصبر والصمت ويترنحون بين اليأس والرجاء… لقد ضاع هذا الرصيد الضخم وتبدّدت هذه الثروة القومية وسط هذا الزيف الكثيف من الإعلام الكاذب المُضلّل المأجور، وفي ظل هذا التجاهُل الشديد للحقائق وإنفاق الأموال الطائلة على مؤتمرات هستيريا التي تملأ حياتنا ضجيجاً وتمنعاً من اتخاذ القرارات الجادّة، يبقى اللون الرمادي يظلل كل أركان الصورة، يمنعنا من رؤية الحقيقة، وتنهار مملكة المؤسسة، وتسقط آخر جدران المسؤولية ولم يعد يخجلنا شيءٌ، فقد يبست عروق الحياء، وهرب الخجل بإحمراره، ويبقى المعاشي في جراح بغير سواحل، منبوذاً منفياً خارج منظومة الوطن يردد في حسرة وألم وندم قائلاً: متى يصل صوتي إلى المسؤول؟ فالخوف من مواجهة المسؤولية يُعتبر خيانة، والخيانة ليست أن تنضم إلى صفوف الأعداء، ولكن الخيانة أن تعرف الحقيقة المُهلكة لشعبك وتخفيها عن شعبك لتحمي نفسك أو تحمي أناساً أخطأوا، وفي ظل غياب الأمانة والعدل يظل المعاشي السوداني حبيساً داخل مثلث متساوي الظلم والإهمال والأوجاع، وتساءل المعاشيون ماذا تُفيد المنحة التي تحوّلت إلى محنة..؟

 

جمرات تتهاوى شرراً والبرد باقٍ….

وأين عائدات النفط الذي لم يجد منه المعاشي إلا:

ننتج النفط  ولا دفء ولا ضوء لنا…

إلا شرارات الأماني ومصابيح اليقين…

 

ثمة انفعالات تملّكت كل ذرة من كيان صديقنا العزيز وزميلنا الكريم الراحل المقيم الأستاذ/ عمر الطيب الدوش وأحدثت ضَجّةً في أعماقه وجعلته يتساءل بشعره الشفيف:

 

زمان كنا بنشيل الود

وندِّي الود…

وفي عينيا كان يكبر حنانا زاد…

وفات الحد…

زمان ما عشنا في غربة…

ولا قسينا نتوحّد…

وهسع رحنا نتوجّع…

نعيش بالحسرة نتأسف…

على الماضي اللي ما برجع…

 

ثم قالت قارئة الفنجان:

وسترجع يوماً يا ولدي…

مهزوماً مسكون الوجدان…

وستعرف بعد رحيل العُمر بأنك…

كُنت تُطارد خيط الدخان…

 

إلى متى هذا العقوق والجحود يا لجنة الأجور ويا إزالة التمكين واسترداد الأموال وأمانات وأموال المعاشيين..؟

 

تبعثرت وتبدّدت أموال المعاشيين التي كانت تُستقطع في بداية العمل بالخدمة المدنية، مَن أذِنَ لكم أن تدفعوا تعويضات المُدمِّرة كول؟ ومَن أذِنَ لكم أن تشتروا ثماني سفن؟ ومَن أذِنَ لكم أن تدفعوا للشهداء؟ وهذه الأمانات هي حق المعاشيين الشرعي والقانوني فلا تبدِّدوها وإلا سنرفع لكم قضية بخيانة الأمانة ونُناشدكم ألا تتكرّر هذه الجرائم وهذه اللصوصية.

 

لا بُدّ من الاعتماد على المؤسسية والمرجعية والمنهجية بعيداً عن الشخصنة والتسلُّط الفردي وغياب الفكرة، لا بد من إنقاذ هذي الثروة القومية، فهم بُناة الخدمة المدنية وصناع الاستقلال بفكرهم ورأيهم وقلمهم، وهُم من جيل لن يتكرر حتى يرث الله الأرض وما عليها:

 

جيل العطاء المُستجيش ضراوة ومُصادمة…

المُستميت على المبادئ مؤمناً…

 

ووزارة الدعاية الاجتماعية والضياع الاجتماعي غَارِقَةٌ حتى أذنيها في مؤتمرات الهستيريا وقشور الكلام وذبح المفردات والحلقمة وضآلة المردود، فمتى نرتاح من هذا الكذب وهل يتناول أولئك حبوب منع الكذب؟:

 

اليوم جئت لاعترف… والجرح في الأعماق بكاء نزف

النفس بعثرها الحنين… وأنا أجرجر هيكلاً متعثراً

نخرا تلف… اقتاد روحاً هدها الترحال… أرهقها التوغل والأسف…!

 

لم يعد في العين شيءٌ من بريق… جف نهر الحب…

سوف نمضي في صقيع الليل محموم الحريق…

يكبر الحُزن ونكبر…. كل عام نتشظى نتكسر…

أي شيء سوف يبقى بعد أخضر…!!

 

صلاح الطيب الأمين

خبير تربوي – المُنتدى التربوي السوداني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى