صلاح الدين عووضة يكتب : طوالي!!

1أغسطس 2022م

صدق جداً..

صدق حين قال مترنماً… من منظورٍ نفساني:

الخوف يا غالي… تسرح طوالي..

فمثل هذا السرحان يمثل خوفاً لصاحبه… وقد يُفقده عقله الذي يسرح به..

كما فقد عديد الشعراء عقولهم جرّاء هذا السرحان..

من لدن مجنون ليلى – قديماً – وإلى مجنون الطالبة عندنا هنا في السودان..

أو – تحديداً – عندنا هناك في البلد..

أما الطالبة هذه فكانت زميلته بجامعة الخرطوم… في سبعينيات القرن الماضي..

فسرحت هي في دراستها إلى أن تخرجت..

وسرح هو فيها إلى ان صار من الذين يسرحون طوالي..

وشاعر العيون – عبد الله النجيب – يسرح دوماً في العيون..

يسرح فيها… وبها… ومعها؛ إلى عوالم شاعرية فيجلب منها روائع شعرية لعوالم الواقع..

فشكل ذلك خطراً على عقله – وعينيه – معاً..

وفي مناسبةٍ ما داعبته قائلاً: ظللت تسرح مع العيون حتى كدت تفقد عينيك..

ولكن لم يبد عليه إنه كان خائفاً..

وكأنه يقدم نعمة بصره قرباناً – رخيصاً – في محراب نعمة جمال العيون..

وقبل أيّام صادفت جاراً حييته فلم يرد تحيتي..

كان ينظر إليّ ولكنه لا يراني… وعندما عاد نظره هذا إليه – أو أعاده هو – رد التحية..

فهل عاد البصر وحده أم معه العقل؟… لا أدري..

وحذرته أن عقله هذا إن فلت من عقاله – فمربطه – كثيراً فقد لا يرجع أبداً..

قد يسرح طوالي… وهنا مكمن الخوف..

فقال كلاماً مقتضباً – وهو يبتسم بمرارة – شرح كل شيء… رغم إنه لم يقل شيئا..

فكل الذي قاله (والله الواحد بقى خايف من بكرة)..

ومضى في حال سبيله سارحاً… والبصر عاود سرحانه… والعقل في حالة سرحان..

فهمهمت في سري: حق له أن يخاف..

فإن كان الأمس مُخيفاً – واليوم أشدّ إخافةً – فكيف بالغد وما بعده؟..

فشيءٌ من الخوف مطلوبٌ – حيال راهننا هذا – ولكن الخوف من (السرحان الطوالي)..

ومعلومٌ أنّ الحذر يستوجب بعض خوفٍ إيجابي..

غير أن الخوف المرضي هو مرضٌ في حد ذاته… ويندرج تحت تصنيفات علم النفس..

صحيح أنّ اليوم مُخيفٌ… والغد قد يكون مُخيفاً أكثر..

ولكن الأمس – بالنسبة لي – كان مُخيفاً… ومسرح الخوف – والسرحان – هو المخبز..

فقد سرحت في عيني امرأة… كانتا تسرحان في عيني بدورهما..

غير أنه لم يكن سرحاناً مثل سرحان شاعر العيون ذاك… في العيون..

فلم أسرح فيهما… وإنما عبرهما..

وفي نهاية رحلة العبور هذه – أو السرحان – أبصرت تلك الجرافة ذاتها تزحف نحوي..

وقد كتبت عن قصة خوفي منها… وأنا طفل..

ثم أبصرت المرأة نفسها التي تصدّت لي – وأنا أجري خوفاً – كي تهدئ من روعي..

وكان وجهها هو وجه امرأة المخبز ذاته..

الوجه ذاته… بالعينين ذاتهما… بالملامح – والمساير – ذاتها..

وهذا لا يُعقل طبعاً؛ فكيف أكبر أنا وتظل هي في عمرها نفسه الذي كانت عليه آنذاك؟..

ولكن كيف أفسر – منطقاً – مبادلتها إياي النظرات؟… والسرحان؟..

لا أدري… ولا أريد أن أدري… ولا أريد أن أخاف..

أو لا أريد أن أخاف أكثر..

فتكفيني من مسببات الخوف الواقعية ما جعلت جاري هذا يسرح..

ولا أود أن أضيف إليها مسببات خوفٍ ما ورائية..

فأسرح طوالي!!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى