مُنى أبو زيد تكتب :في الوِصَائية والانبِرَاء..!

 

“نحن شعب أقرع ونُزَهي، فقير واستهلاكي، ومُنَظِّراتي أيضاً”.. الكاتبة..!

مُلاحظة لرجل أعمال سعودي بشأن العامل السوداني، سمعتها قبل سنواتٍ، أيّام إقامتي في السعودية، وظَلَّت عالقة بذهني، استشهد بها كلما تَعثَّرتُ ببعض سلبيات “سلوكنا السُّوداني الجمعي” في مُختلف ألوان المعاملات الرسمية والمهنية، فإليك بها..!

في معرض مُقارنته بين العامل السوداني وغيره، قال الرجل إياه إنك لو طلبت من العامل المصري أن يبني لك جداراً قبيحاً في مكان غير مناسب، سيقول لك “حاضر عينيَّ يا باشا”، ولو سألته عن رأيه سيؤمن على حديثك فوراً. وإن سألت العامل الهندي سيهز رأسه في إذعان وهو يفكر بالأجر، لأنه عامل، ولأنك الكفيل، حتى لو أدَّى بناء ذلك الجدار إلى أن يحيق بك الخراب..!

أمّا العامل السوداني فسوف ينظر إلى تلك المساحة الفارغة المطلوب بناء ذلك الجدار عليها طويلاً، وبكبرياء مهنية عالية، ثم يُمطرك بسيل من المُلاحظات الفنية، قبل أن يقول شيئاً على غرار “لكن إنت عايز تبنيه هنا ليه، مُش لو بنيته هناك كان أحسن”..؟!

تذكّرت هذه الحكاية وأنا في طريقي إلى السوق، حينما اقترحتُ على سائق تطبيق أجرة شهير – لا يعرف شوارع المنطقة – أن أصف له عنوان البيت توفيراً للوقت والجهد، ولأنّ قوانين الشركة نفسها تسمح بأن تكون الأولوية لوصف الزبون في حال تعثر الشبكة، لكنه أصَرَّ على أن يسير وفقاً للخريطة التي تظهر على هاتفه الجوال..!

وعندما تأخّر الوقت، ولاحظت تَخبُّطَه ووقوفه المتكرر من خلال متابعتي لرحلته على ذات الخريطة، اقترحت عليه أن يخبرني بأي مَعلمٍ بارزٍ بالقرب منه – حتى أتمكّن من أن أصف له العنوان – لكنه أصرَّ بعنادٍ غريبٍ على أن يحتطب في ظلام “اللوكيشن”، فما كان مني إلا أن اعتذرت له بأن الوقت قد تأخّر، وبأنني مُضطرة إلى إلغاء طلب الرحلة، والبحث عن بديل آخر أكثر مرونةً وأقل عناداً..!

ثم ما أن وصلتُ إلى وجهتي التي كانت محلاً لبيع الملابس، وطلبتُ شيئاً مُحدّداً كان متوفراً جداً، حتى عاجلتني صاحبة المحل بسيل مُقترحات بشأن مجموعة من البناطيل والبلوزات الضيِّقة، فاعتذرت لها بلطف وأخبرتها أنني حالياً – وفي هذه المرحلة من عمري ووزني الزائدين – لا ألبس غير “التوب”، وليتني لم أفعل..!

انبرت صاحبة المحل لتبصيري بخيبتي التي تجعلني أترك زوجي – الذي لا تعرفه – يُبحلق في أجساد الفتيات المُتأنقات بالبناطيل والبلوزات الضيِّقة، بينما ألُفُّ نفسي “بالتوب”، وكيف أنني لا بد أن أجاري زوغان عين زوجي الذي تُصرُّ هي على افتراضه. والطريف حقاً هو أنني عندما حاولت أن أخبرها – في حُسن تَخلُّص – بأنّ زوجي أيضاً يُفضِّل أن ألبس “توب الجن”، صاحت مؤكدةً أن الرجل يكذب، “بيغُشِّك ما تصدِّقيه”..!

ما كان ضَرَّها لو تركتني اشتري ما كنت أرغب في شرائه، فأفادت واستفادت، وما كان ضَرَّ سائق تطبيق الأجرة ذاك لو تركني أصف له البيت عوضاً عن أن يُضيٍّع مكسبه من تلك الرحلة. ثم ما كان ضرَّ ذلك العامل “المُتَفلسف” لو ابتنى ذلك الجدار، فقبض أجره ثم انصرف راشداً؟. “لكن تقول شنو، يا هو دا السودان”..!

 

مُنى أبو زيد

[email protected]

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى