منى أبو زيد تكتب : طَرائِف لا تَنْتَهي..!

16 أكتوبر 2022م

“الفكاهة هي أقوى طريقة للإدلاء ببيان سياسي”.. مايكل مور..!

 

 

إحدى النكات التي كانت رائجة قبل اندلاع الثورة – والتي تتناول شيوع الأسرار السياسية بين فئات وطبقات الشعوب، على الرغم من مُحاولات الحكومات والسياسيين لإخفائها – تقول إن الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” قد قرر المجيء إلى الخرطوم في زيارة سرية، للوقوف بنفسه على مزاعم الحكومة السودانية بشأن براءتها من جملة الاتهامات التي تسببت في إيقاع العقوبات عليها..!

وكيف أنه قد أخذ – عند وصوله – بنصيحة أحد مستشاريه، فَتنكَّر في هيئة وافد تركي ثم يمَّم وجهه شطر مجلس إحدى “ستات الشاي”. وما أن اتخذ مجلسه على “البنبر” بانتظار كوب الشاي حتى سألها قائلاً – بلهجة سودانية ركيكة – “حَنَك الحكومة شنو اليومين ديل”؟. فما كان منها إلا عاجلته قائلةً وهي تَصُب الماء الساخن على مصفاة الشاي “إنت في حَنَك الحكومة ولا في الرئيس ترامب القالوا جاء السودان”..!

وهكذا تتوالى فنون حس الدعابة الجمعي حتى قيام الثورة، ثم تتبع تطوراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية “حذو القذة بالقذة”. وكعادة النكات السياسية التي تستمد حياتها من إحباط الشعوب – في ظل أجواء الغموض المعلوماتي والفراغ الدستوري – يطيب لها المُقام بين مواقع التواصل الافتراضي، وتبقى النكتة السياسية عرضاً لمتلازمة “الإحباط الشعبي”..!

والحقيقة أن النكات السياسية التي تندلع في أعقاب الضغوط الاقتصادية والمتغيرات السياسية ظاهرة مؤثرة جداً لأنها تهدد الصورة الذهنية للأنظمة السياسية برسوخ إيحاءاتها اللاذعة في “لا وعي الشعوب”. وهي فوق ذلك كله تعبر عن أفكار العقل الجمعي لمعظم فئات الشعب بطرائق سهلة ممتنعة يستسيغها الخاصة والعامة، لذا فهي تبقى عَصِيّةً على محاولات التّحكُّم في انحسارها. ولا مناص لأي حكومةٍ – والحال كذلك – سوى مكافحة تأثيرها بالعمل الإيجابي المُضاد للسلوك السياسي السلبي الذي تشبعه – ذات النكات – نقداً وتقريعاً..!

ولن تبرح النكات السياسية في هذا السودان مقامها بين حسابات “الفيس بوك” و”الواتس آب” و”تويتر”، حتى يمتليء الفراغ ويكتمل الإحلال والإبدال وتزول ضبابية الأخبار الإعلامية المستقاة من مصادر أهلية بشأن مصير المباحثات والمفاوضات الرسمية وغير الرسمية، ومصادر افتراضية بشأن ملامح وجوه الحكومة القادمة، في ظل غياب صدور الأخبار الموثقة من الجهات الرسمية المعنية بإشراك هذا الشعب في مراحل تطور الأحداث وصيرورتها النهائية التي بات التفكير فيها يعصف بالأذهان ويقض المضاجع..!

وبمناسبة النكات التي “تؤيقن” إشكالات الحال ومحاذير المآل يقول الرواة إن شيخ الملحنين “سيد مكاوي” – الذي كان يستعين على مصاعب فقدان نعمة البصر بروح الدعابة – كان ينزل على عتبات أحد السلالم بمعاونة السيدة “أم كلثوم” عندما لاحظ اختلال مشيتها، فسألها عن ذلك فقالت “النور قطع يا شيخ سيد”. فما كان منه إلا أن أمسك بذراعها قائلاً “طيب تعالي أوصلك”. ويُروى أنه قام من مجلسه يوماً لقضاء حاجة دون أن يستعين بأحد مجالسيه، وقبل وصوله إلى مقصده اصطدم بالحائط فصاح قائلاً “الله إحنا اتعمينا تاني”..!

نسأل الله أن يُمَتِّع هذا الشعب الصابر بأنوار بَصائِره، وأن يُوَلِّي عليه من يقوى على استبصار طرائق الرشد في حكمه، وليس التحكم به..!

 

 

 

[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى