بهاءالدين قمرالدين يكتب..  (المباصرون) كيف يعيشون وماذا يأكلون!؟

أصبحت الحياة في بلادنا اليوم جحيما لا يطاق، ومعاناة لا تنتهي حتى تلد معاناة أخرى أكبر وافظع، وشظفا في العيش و(نار جهنم حمراء)؛ وسرابا خادعا وفقرا وجوعا!

وكل تلك المعاناة هي مولود شرعي؛ أو ربما (غير شرعي)؛ للظروف الاقتصادية التي يقاسيها السودان الآن؛ بعيد ثورة ديسمبر الظافرة والمجيدة!

فنتجت أوضاع معيشية متردية، وقفزت أسعار السلع والمواد الاستهلاكية بطريقة جنونية؛ لم يسبق لها مثيل ولم تشهدها البلاد ولم يمر بها العباد من قبل في العهد القريب!

والسوق اليوم خرج عن عقاله و(فلت) وأصبح (يسوق) الناس كما قال حميد: والسوق فيك يسوق؛ والأسعار ترتفع كل يوم بل وأحيانا في نفس اليوم، تأتي الصباح للسوق فتجد اسعارا جديدة، وتأوب في المساء؛ فتفجعك قفزات خرافية في كل السلع!

الفوضى تضرب بأطنابها في الأسواق؛ وكل تاجر يفرض السعر الذي يروق له ويعجبه؛ فتجد أسعارا مختلفة لبضاعة أو سلعة واحدة في متجرين متجاورين، أن السوق اليوم يحكمه مزاج التاجر الجشع والطماع الذي لا يخاف الله، ويريد أن يغنى من دم ولحم وعظام الشعب المكلوم والمفجوع والصابر!

والانكى والأمر من كل ذلك، أن الحكومة قد انسحبت واختفت من السوق تماما؛ ولا أثر لها ولا وجود فيه نهائيا!

لقد تركت الحكومة المواطن يكتوي من نيران الأسعار وقسوة التجار، ورمته في الجحيم مكتوفا ذراعيه وقالت له (اياك اياك ان تتألم او تتوجع)!

ان غياب وانسحاب الحكومة من السوق؛ فتح أبواب الأسئلة والاستفهامات الملحة حول هذا (الهروب الكبير)؛ وصار الناس يتساءلون سرا وجهرا وجماعات وفرادى؛ هل عجزت الحكومة عن ضبط السوق وكبح جماح الأسعار ولجم (غول) ومهر الغلاء والجشع الجامح والفالت والطامح!؟

وهل أصبح التجار الجشعون الذين يغتنون من معاناة  وتجويع الشعب واوجاعه وآلامه؛ هل اضحوا هم الحكومة والدولة ؛ ويتحكمون في الأسواق والأسعار!؟

ام ان الحكومة تتواطأ معهم وتساندهم وتشاركهم في المتاجرة بقُوت الشعب وحليب الأطفال ورغيف الفقراء وسُكّر المساكين الذي أصبح علقما وحنظلا مُراً بسبب غلاء وارتفاع الاسعار!؟

ان انسحاب أو غياب الحكومة من السوق؛ أغرى الجشعين وضعاف النفوس، بالتلاعب بالأسعار والتحكم فيها وزيادتها كما يحلو لهم!

وبصمتها القاتل والمريب، تتواطأ الحكومة مع هؤلاء (اللصوص) أعداء الشعب المتاجرين بجوعه!

لقد اختفت (اللحمة) اليوم من (حلة الملاح) ونسي الناس طعمها ورائحتها وشكلها؛ واتجهوا إلى البدائل الأرخص، وتفتقت (عقلية المباصرة) والتحايل على الواقع؛ تفتقت عن بدائل أخرى للحمة ؛ لجأ إليها الناس؛ مثل ماء الفول المعروف بـ(البوش) و(البليلة العدسية) و(عظام اللحمة) وامعاء الدجاج التي تُعرف وسط فقراء بلادي باسم (وجبة عواطف)!

اما (الكمونية والكوارع) فقد غلا سعرهما ولحقت (بأمها) اللحمة؛ فزهد عنها جميع الناس مجبرين ومكرهين!

وبسبب الزيادات غير المنطقية، انسحقت طبقة الموظفين والمعلمين ولحقوا بطبقة الفقراء والمساكين الذين يحتاجون (للدعم السريع) والزكاة والإعانة!

لقد كان الفقراء والمساكين والسواد الأعظم من الشعب؛ يتحايلون ويبتكرون كل يوم طريقة جديدة و(يباصرون) الاكل والوجبات؛ تارة بالفول ومرة، (بالدكوة وأخرى بالسَّلطة)؛ يوفرون بذلك لابنائهم واطفالهم قُوت يومهم والاكل والطعام و(حالهم ماشي)!

لكن في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار الذي شمل و(جبات المباصرة) نفسها؛ نتساءل ترى كيف يعيش أولئك المباصرون الآن وكيف يوفرون لفلذات اكبادهم الطعام وماذا يأكلون ….!؟

احسب ان اولئك الفقراء والمساكين يموتون جوعاً هم وأبناؤهم اليوم؛ بعد ان صارت وجبات (المباصرة) نفسها؛ على رقة حالها وهزالها؛ اصبحت اليوم رفاهية ورغداً بعيد المنال لا يستطيعون لها سبيلا!؟

بالله عليكم كيف تعيشون وكيف توفرون لابنائكم المأكل والمشرب وماذا تأكلون ايها المباصرون والمباصرات!؟

واذا ما استمر الحال على هذه الوتيرة من الزيادات الخرافية؛ فسيأتي يوم يخرج فيه كل الشعب السوداني إلى الشارع متسولاً ويمد (قرعته) يستجدي الطعام والشراب!؟

ورغم الزيادات الكبيرة في الأسعار، إلا أن المرتبات لم تزد وظلت كما هي (محلك سر)!؟

من هنا نحن نصهل عالياً ونطالب الحكومة بالتدخل  العاجل الآن لوقف فوضى السوق وكبح جماح الاسعار (المطلوقة)؛ حتى يستطيع الشعب السوداني ان يوفر الاكل والطعام و(موية الفول) و(الدكوة) لابنائه زغب الحواصل؛ فهذا هو طموحنا اليوم، فنحن لا نريد ولا نحلم (باللحمة او الفاكهة او الباسطة) فتلك من المستحيلات البعيدة، ونتمنى ان نأكلها في (جنة الفردوس) إن شاء الله!

ونطالب الحكومة كذلك بزيادة المرتبات للموظفين والعاملين؛ بجانب دعم الشرائح الفقيرة، التي اوشكت على الهلاك اليوم؛ وهي تغني مع عقد الجلاد والمبدع عبد الوهاب هلاوي؛اغنية (حاجة آمنة اصبري):

ياحاجة آمنة اصبري

عارفة الوجع في الجوف شديد

وعارفك كمان ما بتقدري

فتشتي جاي هبشتي جاي

كان تلقي في ذاك الزمان

شيتاً يجو ياكلو العيال

حبة عدس ما بسوي شيء

وينو الدقيق وينو الفحم

ما بسوي شيء

وين الرغيف وين اللحم!؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى