محمد طلب يكتب: إطلالة بين نصين (5).. (سيد عبد العزيز & أبو آمنة حامد)

محمد طلب يكتب: إطلالة بين نصين (5).. (سيد عبد العزيز & أبو آمنة حامد)

في البداية نعتذر عن الخطأ الذي وقعنا فيه بالمقال السابق إذ نسبنا كلمات (بنحب من بلدنا) إلى المرحوم إسماعيل حسن وهي للشاعر الراحل الجميل (أبو آمنة حامد) فنلتمس منكم العذر.

ومواصلة للمقدمة الطويلةَ بالمقال السابق عن ضرورة الاختلاط ومصاهرة الأجناس الأخرى وأهميته في المحافظة على النوع البشري وصفاته الممتازة وإنتاج أجيال أقوى وأكثر انفتاحاً وقوة وإنتاجاً.

وسوف أكون على الحياد في تناول كلمات أبو آمنة حامد مقارنة ومقاربة مع كلمات سيد عبد العزيز (الأقدم):

بنحب من بلدنا ما برّه البلد
سودانيّة تهوَى عاشق ود بلد
في عيونها المفاتن شئ ما ليهُ حد
التّوب المهبهب فوق أم الضّفائر
والخد المعطّر زي أحلى الأزاهر
والخطوة الأنيقة ترنيمة مشاعر
أنا بيك كل عمري بمشيلها وبسافر
مين في الدّنيا ديَّ أجمل من بناتنا
الليهن قلوبنا والفيهن صفاتنا
الكامنات بروحنا والعايشات في ذاتنا…

وهي دعوة جميلة للارتباط بـ(بنت البلد) السودانية افتتحها بأبيات جميلة وصفت المحاسن والجمال والأزياء (دون غيرها) مما تنكح المرأة من أجله مما جعلها تتخذ نهج أغاني الحقيبة في الوصف الحسي ثم استرسل في (صناعة) بائنة يذكر المناطق والقبائل ويدعو لذات الفكرة و(الملاذ الآمن) في السودانية (بت البلد).. وهو أمر طيب وغاية تحمل لمحة وطنية جميلة شملت كل أنحاء السودان شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وحتى الوسط واختار قبائل ومدن وإيقاعات تمثل كل السودان… وكما ذكرت سالفاً أن الأغنية بها صناعة وتكلف لـ(غرض نبيل):

مين في الدّنيا ديّ أجمل من بناتنا
الليهن قلوبنا والفيهن صفاتنا

دعونا نتوقف هنا قليلاً وندع القارئ الكريم للتأمل… وأقول أليس من الافضل البحث عن صفات جديدة طالما أن (صفاتنا) أصلاً موجودة فيهن وقد أثبت العلم حديثاً أهمية هذا الأمر
وإذا تمت المقاربة مع النص (الأقدم) للشاعر سيد عبد العزيز نجد أن فكرة الحب والارتباط عنده أكثر تقدماً من فكرة (بنحب من بلدنا) وعندما يقول سيد عبد العزير:

مصرية في السودان بحبي ليك أبوح
يا عنب جناين النيل أتمنى منو صبوح
فإنه يرتقي بفكرة الحب الغير مرتبطة بالجغرافيا في أصلها

ولعل الشاعر (التقدمي) أبو آمنة حامد والمعجب جداً بمصر والناصرية وثورتها أصابه ما يصيب كل أهل السودان من اختلاط المعايير وازدواجيتها عندما كتب النص موضوع المقال وناقض الواقع الاجتماعي السوداني الذي احتكر ولزمن طويل أنثى القبيلة للقبيله نفسها دون بقية القبائل في الجغرافيا الواحدة لأسباب كثيرة المجال ليس لها هنا بل ناقض مفهوم (الحب نفسه) وكأنه لا يعلم أن (للحب لهيب فى الجوف زى الزناد مقدوح) أو كما تغنى سيد عبد العزيز، وكذلك أذكر هنا أغنية شهيرة للطيب عبد الله كلمات الشاعر العباسي وقصتها المشهورة (يا فتاتي ما للهوى بلد) وهي أغنية ذات رواج عند النوبة بمصر، وتناقض المفهوم يبدو جلياً هنا مع نص أبو آمنة حامد الداعي (للسودانية للسودانين)..
عزيزي القارئ اخترت لك جرءاً من أغنية التي تغنى بها مجموعة من الفنانين وظلت محتفظة برونقها وأترك لك البحث عن بقية النص الكامل لأن المساحة لا تسمح بذلك:

أنة المجروح

يا الروح حياتك روح

الحب فيك يا جميل

معنى الجمال مشروح

للحب لهيب فى الجوف زى الزناد مقدوح

منه الجبابرة تلين لصوت بلابل الدوح

وتصاحبو النسمات تفضل معاها تدوح

بين نغمة الأشواق ومحاسن الممدوح

الناس تحب رؤياك بالخاطر المشروح

حورية فى السودان بحبى ليكى أبوح

يا عنب جناين النيل أتمنى منه صبوح

وأمر الانتماء لأي من النصين وترجيحه متروك لكم إلا أنني أؤمن أن الفكرة والموضوع في الغناء لم تتطور أو تتغير عن الحب كما يدعون وأن الحقيبة ما زالت لها القدح المعلى في هذا الجانب رغم العلل……

وبقي لك أن تعلم عزيزي القارئ أن الرائع سيد عبد العزيز ما هو إلا نتاج الاختلاط والمصاهرة والاندماج في المجتمعات الجديدة وهذا ما نسمع عنه هذه الأيام نتيجة للهجرات الضخمة التي تجتاح العالم الحديث والدعوة للاندماج في المجتمعات الجديدة، بينما حدث ذلك مع سيد عبد العزيز قبل أكثر من قرن فهو من أب تركي وأم من غرب السودان لذا كان ملكاً من ملوك عصره.

سلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى