مجمع الفقه الإسلامي.. مراجعات دقيقة للمناهج الدراسية

 

التوجهات الفكرية لمخططي المناهج من أخطر عوامل التدمير

وضع المناهج لا يقل أهمية عن وضع الدستور ومحاولات لتبديل فكر بآخر

المنهج بلا أهداف وهناك دروس تم حذفها لأسباب أيديولوجية

صورة الكعبة لا تمثل حركة الطائفين، وحولها الشمس تشرق من الغرب.

(الجنة تحت أقدام الأمهات) و(النظافة من الإيمان) وردت في المنهج باعتبارها أحاديث نبوية!!!!!

الخرطوم: علي الصادق البصير

وجه مجمع الفقه الإسلامي انتقادات علمية تجاه مقررات التعليم ومناهج المدارس، وطالب بضرورة تحديد الهوية السودانية وإستراتيجية الدولة وخطة واضحة في رؤيتها ورسالتها وأهدافها ومصفوفتها تتناغم مع الخطة العامة للدولة يتم تحقيقها من خلال المنهج الدراسي على ألا يستند المنهج عند تطويره إلى أي بعد سياسي يجعل منه مجالاً للصراع بين الأيدلوجيات المختلفة في المجتمع وإشراك وزارة الشؤون الدينية والأوقاف عبر مجمع الفقه الإسلامي في وضع المناهج عبر لجان مختصة مشتركة، والعودة للغة العربية ودروس المقاصد، جاء ذلك خلال ورشة علمية بعنوان: (عملية تطوير المناهج بين النظرية والتطبيق) نظمتها دائرة الأصول والمناهج بمجمع الفقه الإسلامي..

(الصيحة) رصدت أهم وقائع الورشة في المساحة التالية:

*ثورة على الجذور

رئيس مجمع الفقه الإسلامي د. عبد الرحيم آدم محمد انتقد المناهج والمقررات في عهد الإنقاذ ووصفها بأنها كانت ضعيفة بالرغم من أن من وضعوها كانوا من العلماء والأساتذة .

وأضاف قائلاً: إلا أننا إن أردنا أن نلتمس لهم العذر فلا عذر لهم في ذلك إلا أن حكومة الإنقاذ كانت تهتم بأمر السياسة أكثر من الاهتمام بالتعليم والعلماء .”

وأشار إلى أن أول قرار اتخذه بعد توليه مهام المجمع هو مراجعة كتاب التربية الإسلامية للصف الأول حيث اكتشف أن المعلومات التي يحتويها ضعيفة.

وأكد أن الإنقاذ بعد أن ذهبت ومجيء ثورة ديسمبر ظن بعض الناس أن الثورة على الإنقاذ هي ثورة على كل موروث وقديم، لذلك أرادوا أن يبدلوا فكراً بفكر آخر ويمكنوا له؛ مضيفاً أن كل دولة تمر بثورة ستكون في حالة ضعف إلا أنها سترجع إلى أصولها وجذورها؛ مستدركاً: وكان ينبغي للناس أن يتمسكوا في هذه المرحلة بالأصول والجذور وهي التمسك بالشريعة الإسلامية.

وأوضح رئيس مجمع الفقه الإسلامي أنه عندما اختير عضواً في اللجنة القومية للمناهج وجد أن بعض الدروس في اللغة العربية للصف السادس بعد اطلاعه عليها أن المواد المحذوفة تتحدث عن السيدة خديجة والسيدة فاطمة بنت جابر والسيدة حليمة السعدية وآل ياسر، وحجة من حجبوها أنها تتحدث عن أيديولوجية واحدة فقلنا لهم ينبغي أن تدرس قصة آل ياسر في المراكز القانونية العالمية لأنها تمثل كيفية انتهاك حقوق الإنسان بسبب العقيدة؛ مضيفاً أن الذين يهاجمون الإنقاذ وبحسب رؤيتهم أن المقرر يمثل أيديولوجية معينة، إلا أن القيم والهوية السودانية ستظلان ثابتتين؛ ونقول إن كل من يحاول أن يركب موجة التعليم والمناهج ليثبت فكرة معينة عليه أن يعتبر بالإنقاذ، التي كانت أكثر قوة وتنظيماً إلا أنها ذهبت بلا رجعة ولأنها كانت مستبدة بحسب تعبيره .

وأكد رئيس المجمع أنهم مشاركون في وضع المناهج فيما يليهم بحسب القانون كما هو موجود في القرار 70 المنشئ لسلطات وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بأن تشارك في وضع المناهج في مجالي العلوم الدينية والطبيعية والتطبيقية وفي جميع المراحل .

ولفت إلى أنه كان من المقرر أن تنعقد هذه الورشة منذ زمن بعيد، ولكنهم أرجأوا قيامها لتكون في جو صحي بعيداً عن التنافس والتشاكس مع وزارة التربية والتعليم؛ مؤكداً أن ما خرجت به الورشة من توصيات ليست ملزمة لوزارة التربية والتعليم أو لأي جهة وإنما هي مشاركة ومناصحة من المجمع لكل من يحتاجها .

*المناهج والدستور

من جانبه أكد د. أحمد النعمة أحمد عضو مجمع الفقه الإسلامي ورئيس دائرة الأصول والمناهج بالمجمع، أن وضع المناهج لا يقل أهمية عن وضع الدستور؛ مؤكداً على ضرورة الاهتمام بوضع المناهج لتستوعب الحاضر والمستقبل؛ وإعادة النظر فيها من حين لآخر.

*كتاب بلا أهداف

عضو دائرة الأصول والمناهج بالمجمع الدكتور برير سعد الدين الشيخ السماني قدم ورقة بحثية بعنوان (كتاب الصف الأول الجديد للتربية الإسلامية دراسة تحليلية ورؤية للتطوير)، تناول خلالها أهمية اتباع المعايير العلمية لوضع المناهج التعليمية، إضافة إلى الوقوف على مواطن الضعف والقوة في المنهج من خلال استعراض كتاب الإسلامية للصف الأول، وقال: إن رؤيته التي يقدمها تمت وفق رؤية منهجية وقراءة هادئة للمساهمة في تقويم المقرر بملاحظات علمية بدأت بصورة الغلاف والتي جاءت بصورة حول الكعبة بما لا يمثل حركة الطائفين، وحولها الشمس تشرق من الغرب.

وفي ما يتعلق بالملاحظات العامة يقول د. برير: الكتاب جاء بلا أهداف، حيث يوجد هدف واحد من تدريس الكتاب وهو (التخفيف)، ويرى برير أن هذا الهدف يعتبر سلبياً، مشيراً لصورة طفلين بعلامة استسلام، وقال إنها تعني الإعانة عند البوذيين، إضافة إلى تقليل سور الحفظ، منوهاً لأهمية زيادة سورة الزلزلة والماعون والكافرون.

*مسائل خطيرة

ونبه دكتور برير إلى مسألة اعتبرها خطيرة، إذ ورد بالكتاب أقوال مأثورة وشائعة، أوردها المقرر كأحاديث نبوية صحيحة مثل: (الجنة تحت أقدام الأمهات) و(النظافة من الإيمان) وغيرهما، مشدداً على أهمية إعادة الصياغة اللغوية، كما أنه توجد أسماء في القصص غير معبرة عن واقع المجتمع السوداني، مع إبعاد أسماء الأنبياء، لأن المواقف التي ذكرت فيها تدل على نقص في صاحبها.

وفي ما يتعلق بالسيرة النبوية أشارت الورقة إلى أنها خلت من التعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتم ذكر بحيرا الراهب ولم تذكر السيدة حليمة السعدية مرضعته صلى الله عليه وسلم، واعتبرت الدراسة أن مقرر السيرة لا يوجد به تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم، وخلصت الدراسة في خواتيمها إلى ضرورة إشراك وزارة الشؤون الدينية ومجمع الفقه في وضع المناهج عبر لجان مختصة ومشتركة، وإشراك المختصين والباحثين والمهتمين في مؤتمرات علمية لمناقشة المناهج والمقررات وتوسيع دائرة المشورة في هذا الخصوص.

*تطوير المناهج

وحول أساليب وتطوير المناهج بين النظرية والتطبيق قدم مدير إدارة الامتحانات بالمركز القومي للمناهج د. الحافظ مامون عبد النور إدريس قراءة أولية في كتاب التربية الإسلامية للصف الأول وقال: إعداد المنهج الدراسي لم يعد مسؤولية جهة معينة، وإنما أصبح نظاماً تفاعلياً تشترك فيه كل المؤسسات التربوية والاجتماعية والرسمية والمدنية التي تعنى بإعداد المتعلم باعتبار المنهج منظومة تكاملية مترابطة مع المنظومات التربوية الأخرى، مشيراً إلى خطورة التوجهات الفكرية لمخططي المناهج باعتبارها أخطر العوامل المؤثرة على نوع الخبرات التعليمية المختارة، وقال الحافظ: من أهم المآخذ على التطوير الذي يحدث الآن للمناهج أنه تطوير يتناول جزءاً من المنهج هو المقررات المدرسية، مما سبب خللاً في النظرة الشاملة للمنهج، وأن كتاب التربية الإسلامية للصف الأول لم تُراع فيه المعايير المطلوبة في تصميم المحتوى الدراسي.

تناولت دراسة د. الحافظ عددًا من المداخل لتطوير المنهج من خلال ترجمة أهداف التربية إلى سلوك فاعل ومهارات حياتية ويأتي في مقدمة العديد في هذه المداخل، المدخل البيئي لتتواكب مع متغيرات العصر وزيادة وعي التلميذ بالبيئة من حوله وتأثير النشاط البشري عليها وتضمين المناهج المهارات والخبرات التي تمكن من اكتشاف قضايا البيئة، إضافة إلى ذلك لا بد من الالتزام بمدخل التكامل لمعالجة المفاهيم العلمية بانتظام وترابط وتدرج دون التقيد بحدود فروع العلم المنفصلة، كذلك لا بد من مراعاة المدخل الواقعي وربط مناهج التعليم بواقع المتعلم من خلال المحيط الحيوي والاجتماعي ومدخل التفاعل بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع.

وأوصت الدراسة بأن يتم التطوير بناء على أسباب تم التوصل إليها بطرق علمية صحيحة وألا يستند المنهج عند تطويره إلى أي بعد سياسي يجعل منه مجالاً للصراع بين الأيدولوجيات المختلفة في المجتمع وأن تكون عملية التطوير مستمرة وليست ردود أفعال لحل بعض المشكلات.

*التعليم في السودان

الخبير التربوي ورئيس قسم التراث والتوثيق بجامعة الإمام الهادي د. يوسف حسن محمد يس، تناول التعليم في السودان (ماضيه، حاضره، ومستقبله)، وقد اقتصرت الدراسة على عهدين: عهد ما قبل الإنقاذ، وعهد ما بعده، وعلل مقدم الورقة ذلك بأن العملية التعليمية ظلت تتعرض للمراجعة والتجريب والتبدل والتغيير منذ عهد الاستعمار، وطوال فترة الحكم الوطني بنوعيه الديمقراطي والديكتاتوري، إلا أنها لم تشهد تغييرات أساسية في كل عناصرها مثلما شهددته فترة النظام البائد.

ولخص الدكتور يوسف أهداف المستعمر من التعليم لخدمة أهدافه، أما في فترة ما بعد الاستقلال فتمت صياغة أهداف جديدة للتعليم لتحقيق غايات لتنمية الأخلاق والروح الاجتماعية بطريقة تمكن الشباب من القيام بالواجبات التي تتطلبها الحياة الديمقراطية.

*الإنقاذ.. دمار التعليم

وفي عهد الإنقاذ تناول مقدم الورقة هزيمة النظام البائد لشعاراته التي تغنى بها في احتفالاته ومهرجاناته وقصوره في التعليم خاصة التعليم الفني والزراعي، وظهورة الانسحاب من التعليم النظامي إلى التعليم الخاص لأطفال المتعلمين والمثقفين والأغنياء بسبب نقص وضعف الخدمات التعليمية في الدراسة النظامية، وارتفاع تكاليفه في مؤسسات التعليم الخاص، ووصف دكتور يوسف التعليم الخاص في عهد الإنقاذ بالخطر القادم، وخلص إلى أن البناء التعليمي بجميع عناصره تعرض إلى دمار شامل، ربما بدرجة لا يمكن معها إعادة بناء كثير من أنقاضه، إلا أنه قال: الدراسة الأعمق ستؤدي إلى التشخيص الأدق، ومن ثم يمكن العلاج، وأوصى بالعودة إلى آخر مناهج كان معمولاً بها قبل الإنقاذ وتجويدها وتطويرها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى