محمد بحاري يكتب : محمد ميرغني .. ذهب لا يصدأ!!

في بواكير الصبا كنا نجلس أمام التلفاز نتابع برنامج جريدة المساء كانت تدهشنا المذيعة المقتدرة فتحية إبراهيم بتلقائية غير مصطنعة وابتسامة تجعلك تتابع البرنامج بكل هدوء، لا نفهم كثيراً ممايقدم في البرنامج بقدر مانتابع طريقة تقديم الأستاذة فتحية إبراهيم وللحقيقة مرت على هذا البرنامج كثير من المذيعات والمذيعين المقتدرين على سبيل المثال الأستاذة ليلى عوض..

في تلك الحقبة من الزمن ومن خلال متابعتنا للإذاعة والتلفزيون كنا نستمع لكثير من الأغنيات السودانية لم نكن نفهم كثيراً في الموسيقى، لكن كان مايشدنا طريقة الأداء وكان الفنان محمد ميرغني هو صاحب النصيب الأكبر في الأداء كنت أتابع طريقة أدائه بشغف وحب كبير وهو صاحب مدرسة أدائية متفردة..

مرت السنون وتفتقت قريحتنا وكبرت مداركنا وظل محمد ميرغني كالذهب لايصدأ بل يزيده الزمن بريقاً ولمعاناً..

أشد ماكان يجذبني تلك اللونية المتفردة في الأداء التي تنم عن دواخل فنان حقيفي يملك الموهبة التي أهلته ليكون محمد ميرغني الذي وضع لنفسه مكانة كبيرة وسط كبار الفنانين، وظل في تلك المكانة رغم مرور الزمن وأشباه الفنانين الذين لم يستطيعوا أن يزلزلوا عرشه وظلت أغانيه إلى هذه اللحظة تثير الشجون وتدغدغ المشاعر لحناً وكلمة وأداء..

فنان بهذا الفن الباذخ لابد أن يكون عنده الفن رسالة ذات معانٍ ومبانٍ.. حمل محمد ميرغني فى يديه الطباشيرة والألحان فكان الناتج الفنان صاحب المدرسة الادائية المتفردة استطاع أن يخرج أجيالاً تحمل لواء العلم وأغاني تحمل الشجن والتطريب..

وأنا دائماً ما كنت أقول بأن الفنان الجميل محمد ميرغني ،هو الفنان السوداني الوحيد الذي لم يتغن بأي أغنية (هايفة) عبر تاريخه الغنائي الطويل ..فهو من العينة التي تجيد تماماً اختيار المفردات الشعرية المتجاوزة والألحان البديعة ذات الأبعاد المدهشة ..ومن ينظر للقائمة الوسيمة من أغنياته يلحظ ذلك ولا يجد بينها ولا أغنية واحدة ضعيفة من حيث تركيبتها الشعرية واللحنية.

الدقة التي يتسم بها محمد ميرغني جعلته واحداً من أعظم مطربي هذا البلد إن لم يكن أعظمهم على الإطلاق ..ولعل نجاح محمد ميرغني في أن يبقى بهذه العظمة يرجع لكونه مربياً ومعلماً تخرجت على يديه العديد من الأجيال التي تتبوأ الآن أعلى المناصب القيادية.

فنان بتلك الصفات والمواصفات  يحق له أن يطلق الأحكام من واقع تجربته العريضة والكبيرة في الحياة والغناء والتعليم، وحينما يصدر محمد ميرغني أي حكم أو رأي على أي فنان فذلك يستوجب التوقف والتمعن والتأمل لأنه يصدر أحكامه من مخزون خبراته كفنان مؤهل تخرج في كلية الموسيقى ويمسك بكل تفاصيل العملية الفنية. وأحكام محمد ميرغني التي نطالعها في الصحف هي بالطبع تختلف عن تصريحات كمال ترباس التي دائماً ما تترك الجانب الفني وتتجه للشخصنة بينما محمد ميرغني يصدر تصريحاً علمياً يبعد عن القضايا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى