الجميل الفاضل يكتب : جنون الفرز

 

اسْتَعر على حينِ غِرةٍ، ودون سابقِ إنذارٍ ضَربٌ من جنون الفرزِ المُعرْبد، عصف أو كاد بنسيج قوى الحرية والتغيير “الحاضنة الافتراضية” لحكومة الثورة، أو حكومة حمدوك.. سمِّها ما شئت.

وتحت جنح ما تَعُجُّ وتَمورُ به الساحة من تباينات وحِدّةٍ في المواقف بين التيارات والقوى.. التأم أمس ولأول مرة مجلس “شركاء الفترة الانتقالية” الذي خرج من رحم تعديلات أجراها الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء على الوثيقة الدستورية وِفق صلاحيات هذا الاجتماع التشريعية الاستثنائية المؤقّتة النافذة، لغياب أو لتغييب مؤسسة المجلس التشريعي الانتقالي.

وبدا كأن تمايُزاً تامّاً بين صفوف قوى الثورة قد وقع وأضحى حقيقة لا مهرب منها، ترجمها البعض إلى إعلان انسلاخٍ كاملٍ من تحالف قوى التغيير، في حين ترك بعضٌ آخر الباب مُوارباً خلفه مُجمّداً نشاطه داخل ذات التحالف.

المهم، فإنّ تفاعلات ما يجري على الأرض من شأنه أن يُرشِّح بروز تحالفات جديدة في غضون الأيام القليلة القادمة تؤكّد بالفعل أن “كيمان” قوى الثورة في طريقها نحو مزيدٍ من الفرز والاصطفاف وِفق إشارة نائب رئيس مجلس السيادة “حميدتي” في مليونية استقبال صُنّاع السلام بساحة الحرية قبل بضعة أيام.

وأتصوّر أن تحالُفاً وليداً ربما يخرُج إلى حيِّزِ الوجود مع توقيع حركة القائد الحلو على اتفاق سلامٍ مع الحكومة يضم إلى جانبه الحزبين المُنسلخين حديثاً عن الحرية والتغيير.. الحزب الشيوعي، وحزب البعث السوداني، إضافة لتجمّع المهنيين في نُسخته الأخيرة، وبعض الواجهات الصغيرة الأخرى، تحالُفاً يُؤسِّسُ ويقودُ تيّاراً علمانياً صريحاً، يدعو ويُلحّ على ضرورة فصل الدين عن الدولة فعلاً وقولاً.

وأجد أن تقارُباً قد ينشأ بين الحزبين التاريخيين الأمة القومي والاتحادي الأصل رغم الهوّة الواسعة بينهما التي خلّفها انخراط الاتحادي الأصل في موالاة النظام المُباد إلى آخر أيامه، في وقتٍ بذَل فيه الأمة قُصارى طاقته وجهده في مُعارضةٍ مستمرة لا هوادة فيها.

لكن تكتُّلً ثلاثي الأطراف داخل مجلس شركاء الانتقال يتكوّن من المُكوّن العسكري، والجبهة الثورية، والحرية والتغيير ممثلة بأحزاب المؤتمر السوداني والحزب الجمهوري، والتجمع الاتحادي المعارٍض.. سينخرط هذا التحالف في علاقة دافئة نسبياً تُرجّح حسم خيارات جدلية من بينها وعلى رأسها خيار التطبيع مع دولة إسرائيل.

فقد بات في حُكم المؤكّد أن ملفات التطبيع مع إسرائيل، وعلاقة الدين بالدولة، والعلاقة مع مؤسسات التمويل الدولية.. البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قد أضحت من مُحدِّدات حالة الفرز والتمايُز الراهنة.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى