الجميل الفاضل يكتب : تطبيع أم تحالف؟!

قال وزير الاستخبارات الإسرائيلي إيلي كوهين لـصحيفة (السوداني) أمس: نحن نبني تحت المظلة الأمريكية تحالفاً سودانياً إماراتياً مصرياً وأردنياً.. مؤكداً أن دولاً أخرى ربما هي في طريقها للانضمام أيضاً الى هذا التحالف الجديد الى جانب إسرائيل أو معها.

المهم، فإن فكرة دخول السودان في تحالف مع إسرئيل يضم الى جانبه دولاً أخرى من دول المنطقة، لا يختلف هو بالضرورة عن فكرة تحالف قديم لتل أبيب كانت الخرطوم جزءاً منه.. سوى في أن التحالف المرتقب الذي كشف عنه “كوهين” هو تحالف معلن هذه المرة، فضلاً عن أنه تحالف عربي بالدرجة الأولى.

فرئيس الوزراء الإسرائيلي “دافيد بن جوريون” كان قد كاتب الرئيس الأمريكي “دوايت إيزنهاور” بتاريخ 24 يوليو 1958 قائلاً: (لقد بدأنا يا سيادة الرئيس نعمل جدياً في بناء تحالُف إقليمي في الشرق الأوسط منذ سنتين، أجرينا اتّصالات بالفعل مع بعض دول الحزام الخارجي المُحيط بـ”جمال عبد الناصر”.. وبالتحديد مع إيران والسودان وإثيوبيا وتركيا.. وهدفنا هو بناء سد عالٍ حقيقي أمام الطوفان الناصري السوفيتي، واستطيع أن أسجِّل أمامك أننا راضون تماماً عن الخطوات الأولى التي اتّخذناها في هذا الاتجاه، فقد كانت جميعها ناجحة.. لقد أقمنا علاقات ثقة مُشتركة وصداقة مع حكومة إيران، ومع رئيس وزراء السودان – عبد الله خليل – وعدد من أقرب مُساعديه، وكذلك مع إمبراطور إثيوبيا.. وأخيراً أقمنا اتّصالات مع حكومة تركيا تجاوزت الطرق الدبلوماسية الرسمية، وأصبحت علاقات حميمة عن طريق قنوات سرية.. إنّ هدفنا من إنشاء هذا التجمُّع من البلدان ليس بناء تحالف رسمي وعلني).

ومضى بن جوريون الى القول شارحاً: (إنّ دول هذا التجمُّع كما ترون تضم دولة لغتها العربية وهي السودان، ودولتين مُسلمتين هما إيران وتركيا، ودولة مسيحية هي إثيوبيا، ثمّ دولة إسرائيل، واسترسل بن جوريون بالقول: إن ثلاثة من هذه البلدان وهي إيران والسودان وإثيوبيا تحتاج بسرعة إلى تدعيم قوي ضد الانقلاب من الداخل أو من الخارج، ولتحقيق ذلك فلا بُدّ من تنظيم قوة فعّالة للأمن الداخلي، وكذلك قوة عسكرية أو بوليسية قادرة على التدخل السريع لمنع أيّة محاولة للانقلاب تُدبّر من الداخل أو من الخارج، إلى أن يقول: إن حكام هذه البلاد الثلاثة لديهم ثقة كاملة فينا، ونحن نستطيع أن نُؤدِّي الخدمة المطلوبة في هذا الشأن).

وأتصور أن دولة كإسرائيل عندما تضع اليوم علاقتها الجديدة مع السودان في مرتبة علاقات التحالف وليس مجرد علاقات التطبيع شأنها شأن سائر علاقاتها مع دول مُحيطنا الأفريقي التي ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع اسرائيل، فإنها لا محالة تعني ما تقول.

فإسرائيل التي وصف رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إعلان انضمام السودان لما يُعرف إسرائيلياً باتفاقيات “ابراهام” بأنه تحول استثنائي بل وشبّهه بالانقلاب الدراماتيكي في الخرطوم.. كان قد حذّر أحد كُتّابها الكبار مطلع العام الحالي من العبث بورقة التطبيع مع السودان لما يمثله من قيمة عالية.

حيث قطع الكاتب الإسرائيلي زئيفي باريل بالقول: (إن السودان من الناحية السياسية أشبه ببرميل بارود)، مُحذِّراً بلاده من مَغَبّة الاندفاع الآن نحو التطبيع معه، مُعتبراً أنّ هذه الغاية هدية هشّة يجب التعامُل معها بحذرٍ، مُرجِّحاً أنّ الولايات المتحدة نفسها لديها عدم يقين فيما يتعلق بالقيادة الدائمة في الخرطوم.

رغم اعتراف زئيفي أن السودان دولة ذات إمكانات، وأنّها قابلةٌ لإعادة التأهيل، فَضْلاً عن أن موقعها الجُغرافي على ساحل البحر الأحمر يمنحها أهمية استراتيجية هائلة، إلا أنّه عاد لنصح الإسرائيليين لتطوير شبكة العلاقات الحَسّاسة مع السودان بحذرٍ شديدٍ، مُنبِّهاً إلى أنّ التطبيع العملي مع السودان يُعتبر أحد الأُصول القيِّمة للغاية.. والتي يخشى أن تتعطّل لو أنّها أصبحت مُجرّد شعار انتخابي لدى نتنياهو آنذاك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى