محمد البحاري يكتب : الموهبة وحدها لا تكفي!!

 

تعاقب الأجيال في كل المجالات سنة من سنن الحياة، والفن ليس بعيداً عن ذلك، ويبقى كل جيل يحمل ملامح تخصه فناً وسلوكاً، فإذا أخذنا تجربة الفنانين الكبار أمثال (كابلي) و(إبراهيم عوض) (وعثمان حسين) و(محمد ميرغني) كان بينهم ود وتعامل فنى وحميمية واحترام متبادل فنياً واجتماعياً.

تلك كانت  ملامح جيل أفرز لنا جميل الألحان والأغنيات، و في اعتقادي الشخصي أن هذه الملامح الجميلة لا توجد في الجيل الحالي ولو لمحة واحدة من تلك الملامح.. وحدثني من أثق في حديثه (كانت هناك احتفائية ضمت الراحل (صلاح بن البادية) و(حسين الصادق) في المسرح القومي عندما اعتلى (صلاح بن البادية) المسرح كان أول ما فعله أن اعتذر للجمهور عن ادائه وهو يجلس على الكرسي بكل ادب واحترام، أما عندما جاء دور (حسين الصادق) طلع  على خشبة المسرح بـ(رافعة)  وهنا يكمن الفرق والهوة الشاسعة ما بين (صلاح بن البادية) وحسين الصادق، وهي هوة يصعب ردمها.

(صلاح بن البادية) الذي غنى (سال من شعرها الذهب) و(ننساك) وغيرها من الروائع التي لا يتسع المجال لذكرها، أعتقد أنها مشكلة جيل بأكمله دخلوا للغناء من الباب الخلفي ومنهم من قفز الحائط ولم يأت البيوت من ابوابها، ومن ظن واعتقد أن الغناء هو أفخم الثياب والعربات الفارهة ومجموعة من الشباب تجري خلفهم في وضع درامي موضوع السيناريو والإخراج مسبقاً ومجموعة (البودقاردات) مدفوعي الأجر، إذا كان مثل هولاء بفعلون ذلك ماذا يفعل الجيل الذهبي الذين أهدوا الشعب السوداني أجمل الأغنيات والألحان..

بالطبع أنا هنا لا أقلل من نجومية (حسين الصادق)، فهو نجم له جمهوره ومعجبةه وشخصياً أكاد أسمع بصورة راتبة أغنية الحقيبة (إنت حكمة ولا آية) التي استطاع أن يؤديها بصورة احترافية حسب تقديري.

لكن هنالك سناريوهات كثيرة محبوكة بكل وضوح يستغلونها إعلامياً ويشغلون بها الوسائط إذا أخذنا أمثلة كالفنان (فرفور) من أغنيته (الجلابية) مروراً بحادثة المسجد و(طه سليمان) في أغنية سنتر الخرطوم، ومروراً بالفتاة التي صعدت خشبة المسرح وقبلته على الملأ حتى بنطلون أغاني وأغاني.

هذه سيناريوهات مدفوعة الأجر مسبقاً للاستهلاك الإعلامي، لكن السؤال يبقى هل هذه السيناريوهات تدخل ضمن صناعة النجومية، وإن كانت كذلك فهذا مبرر قد يكون مقبولاً نوعاً ما، ويقودني هذا إلى الحديث عن مديري أعمال الفنانين ودورهم الكبير في الترويج للفنانين وهندسة الأعمال الفنية بما فيها التعاقدات والفرق الموسيقية، فمنهم من يجيد هذا العمل باحترافية عالية ومنهم من يكون خصماً على الفنان.

وهنا لا يفوتني أن أذكر هنا الأستاذ (حافظ)، هذا الرجل أنيق المظهر والجوهر كيف نجح في قيادة أعمال (مصطفى السني)، ولاحقاً هدى عربي وكيف استطاع بحنكته ومهارته أن يصنع منها نجمة حتى اعتلت القمة وعرش النجومية، حينما كان يدير أعمالها (قبل أن تتنكر له) فهو رجل يعرف كيف يفكر وماذا يريد أن يعمل في المستقبل القريب والبعيد.

مع كامل احترامي لكل من ذكرت من الفنانين، وأحترم دورهم ومعجبيهم، يبقى الشاهد في هذا المقال هو صناعة النجومية وأدواتها ومهاراتها ومن يصلح ليكون مدير أعمال فنان مواصفاته وقدراته، وكيف استطاع الجيل الذهبي من الفنانين أن يوصل أعماله للجمهور مع قلة المواعين الإعلامية في تلك الفترة يكاد لا يوجد غير الإذاعة والتلفزيون، لكن رغماً عن ذلك وصلوا للنجومية وأصبحوا ملء السمع والبصر..

خلاصة القول، إن الموهبة وحدها لا تكفي، لابد من قيادة رشيدة للفنان وخطة قريبة المدى وبعيدة المدى ومكتب فني يقوم بالتعديل والحذف والإضافة بما في ذلك الفرقة الموسيقية والكلمة واللحن..

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى