سراج الدين مصطفى يكتب: الهادي الجبل.. الدّهشة هي الاتكلمت!!

نقر الأصابع

سراج الدين مصطفى

الهادي الجبل.. الدّهشة هي الاتكلمت!!

(1)

أصبح من العادي أن نقول إن الهادي الجبل فنان مدرسة .. جملة أصبحت اعتيادية ولا تحمل جديداً .. ولكنها في ذات الوقت تكرس لمبدأ الحقوق التي أصبحت تضيع في هذا الزمن.. ونحن حينما نعيدها ونكررها لأنّ الأجهزة الإعلامية عيونها لا ترى.. آذانها لا تسمع.. معدو برامجها لا يدركون قيمته الفنية العالية.. هكذا يتم تجاهل فنان بقامة ووسامة الهادي حامد ود الجبل .. هذا الفنان الذي ظل يجد التجاهل من أجهزتنا الإعلامية في كل البرامج لا يجد الإنصاف والعدل في توزيع الفرص التي احتكرها البعض دون وجه حق.

(2)

 في كل عام وفي كل يوم يغيب الهادي الجبل بفعل النظر القاصرة لمجمل أجهزتنا الإعلامية التي لا ترى أبعد من الذين يجلسون في استقبالها لساعات طويلة طمعاً في الظهور.. وذات هذه الأجهزة الإعلامية التي تبحث عن (الجاهز) تتجاوز فناناً بقيمة وقامة الهادي الجبل الذي يجلس بعيداً هناك في جبل أولياء في عزلة فرضت عليه ولم تكن اختياره.

 (3)

يمثل الموسيقار الفنان الهادي الجبل بألحانه المتألقة بالزخرف المتقن عصراً مزدهراً في الموسيقى السودانية ، استوعب في ذاكرته كل فنون الغناء لمن سبقوه فيها . حفظها وغناها فاستوعبها ، فانطلق من خلال فكر متميز يبدع لنا أجمل ألحانه المُزينة بالمُحسّنات والزخارف المتميزة .. وكل ذلك نجمله في كونه صاحب موهبة أصيلة قلما يتكرر مثلها موسيقى مجدد يبحث عن الجديد دائماً ، وتفوق في هذا الميدان على كثيرين وهو كذلك مطرب محبوب فاعتمد على نفسه في غناء ألحانه ويرتكز الهادي حامد على ثقافة عالية في الموسيقى وهو واحدٌ من أخطر رواة الغناء السوداني .. رغم أنه لا يظهر ذلك وذلك لطبيعته الساكنة والهادئة .. فهو لا يلجأ لأجهزة الإعلام للثرثرة والكلام غير المفيد ويذهب لأجل الغناء فقط .. ولا يوجد أي جهاز إعلامي حاول النبش في تفاصيل شخصيته .. ولكنه يظل فناناً عظيماً  قدم فنا راقيا اعتمد على رقي الكلمة واللحن والأداء، كما احترم الجذور الشعبية للفن.

(4)

بطاقة الاسم الكامل تقول عبد الهادي حامد يعقوب ملك الدار جار النبي .. وأنا كما معروف ولدت في جبل أولياء في (حي الديم) البساطاب .. وما زلت أذكر أنني دخلت المدرسة المصرية  وكان  وقتها عمري ستة أعوام .. وأنا أتمتّع بحمد الله ذاكرة قوية واستطيع أن أتذكّر الكثير من التفاصيل والمواقف في حياتي قبل دخولي المدرسة .. ومن المواقف التي أذكرها وكأنها حصلت بالأمس .. ومن تلك المواقف أنني كنت ألعب مع بعض الرفاق من الأطفال .. في ذلك الزمن حينما كان الراديو قليلاً جداً وموجوداً في بعض الدكاكين والمحال التجارية .. وبينما كنا نلعب استمعت لأغنية كان يغني فيها الفنان الكبير (عثمان ألمو). 

(5)

وهذا الفنان الجميل كان له تأثير كبير جداً على حياتي الفنية .. وهو كان فناناً عظيماً كما أنه ملحن مجيد .. توقفت عن اللعب في تلك اللحظة وجلست استمع لأغنية عثمان ألمو التي أبهرتني جداً لحظتها وعشت معها بكل حواسي .. ولعلها كانت المؤشر الأول لحبي للغناء واتجاهي لاحقاً لمجال الغناء والموسيقى.. والفوارق تبدو واضحة وجلية بيني ورفاقي من الأطفال الذين فضلوا اللعب وأنا اتجهت لسماع الراديو وأغنية عثمان ألمو .. لذلك أعتقد أن معظم من اتجهوا لمجال الموسيقى تبدأ مؤشرات الوضوح منذ طفولتهم ويظهر ذلك عليهم.

(6)

في العام 1975 دخل الهادي أستديوهات الإذاعة وسجّل أغنيته الشهيرة “أقول أنساك” .. بعد ذلك هاجر لجمهورية مصر العربية لاستكمال دراسته ولكنه هجر الدراسة واتجه للجماهيرية العربية الليبية وفي تلك الفترة أنتج أغنيات مثل “أنت المفارق”.. وبعد عودته أواخر العام 1983 تعرف الهادي على أعضاء منتدى الحروف التجاني حاج موسى ـ حسن السر ـ بشرى سليمان ـ مختار دفع الله ـ عبد الوهاب هلاوي ـ عزمي أحمد خليل والماحي سليمان.

(7)

وفترة منتدى الحروف تعتبر من أزهى وأنضر أيامه التي قدم فيها أغنيات رسخت تجربته في الأذهان، حيث ظهرت أغنيته الكبيرة “المدينة” وهي تعتبر نقلة في الموسيقى السودانية في فترة الثمانينيات، حيث أبرز فيها مهاراته اللحنية العالية وقدم أيضاً لبشرى سليمان أغنية ” وعد المستحيل ولعزمي أحمد خليل ما اتعودت أخاف من قبلك” وللتجاني حاج موسى “غنوة تاني”  ولمختار دفع الله أغنية الأميرة ـ وصوني ليك والأرباب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى