صلاح الدين عووضة يكتب : حياة !!

كان على غير عادته..

مكتئباً… مبتئساً… متجهماً؛ صاحب البقالة..

فسألته مداعباً : هل أغضبتك المدام – أم أغضبتها – صباحاً؟..

فتبسم أخيراً – كسابق عهده – ورد وهو يلهو بقلم (المشكلة أن عندي شريحتين)..

ولم أفهم إلا بعد أن شرح لي…وهو يزداد تبسماً..

ولعله كان يضحك – في سره – من بطء فهمي ؛ أو جهلي بشفرات أيامنا هذه..

فالشريحة هي الزوجة الواحدة… والشريحتان زوجتان..

فلما تشتغل الشريحتان في شبكة واحدة – يقول – لا يقدر على فهم أيٍّ منهما..

علماً بأن الشريحة الواحدة يحتاج فهمها قدراً من الوعي..

بمعنى أن تطرق المدامان على موضوع واحد ؛ في مصادفة ليست نادرة الحدوث..

ولكن كلاًّ منهما بطريقتها… رغم إن المراد واحد..

فيصبح كلامهما – من ثم – مثل (كلام الطير في الباقير) ؛ كما في المثل الشعبي..

وينتظرك كلام الطير نفسه… آخر اليوم..

وذلك إن عدت بغير ما أرادته كلٌّ منهما بحذافيره ؛ جراء عدم فهمك منطق الطير.. ومنطق الطير لم يفهمه إلا نبي الله سليمان..

فلا تفقد – والحالة هذه – الرغبة في التكلم…. والتبسم….. والتجمل؛ وحسب..

وإنما حتى في…….. (الحياة)..

وقبل أيام كنت أقرأ دراسة أكاديمية ذات صلة – على نحوٍ ما – بهذه القضية..

قضية قدرة المرأة على كلام – أو منطق – الطير..

والذي يستعصى على الرجال… بما أن عقولهم تختلف عن نظائرها لدى النساء..

فعقل الرجل يميل إلى التجريد ؛ وعقل المرأة لتجسيد التجريد..

تجسيد حتى الفلسفة – إن استطاعت إلى ذلك سبيلا – لتضحى واقعاً قابلاً للوقوع..

ولذلك خلا تاريخ الفلسفة من فيلسوفة واحدة..

فمثالية هيجل – على سبيل المثال – لا يمكن أن تصير مادة في علم التطريز..

وإلا باتت فلسفة غير ذات روح…ولا (حياة)..

وضحى يوم – وأنا يافع صغير – كنت أجلس تحت شجرة وريفة في فناء بيتنا..

ومن فوقي عشرات العصافير تتكلم بمنطق الطير..

تتكلم كلها في آنٍ واحد… إلى درجة أنني تساءلت: كيف لها أن تفهم بعضها بعضا..

ثم عج  المكان – والفضاء – أمامي فجأة بمنطق طير بشري..

فما لا يقل عن عشر من نساء الحي أقبلن… وجلسن… وتكلمن في وقت واحد..

ثم طفقن يتكلمن  – جميعهن – دونما انقطاع…من أمامي..

ومن فوقي يفعل الطير الشيء ذاته…وأنا في حيرة طفولية علقت بذهني إلى اليوم..

وفي غمرة هذه الحيرة ظهر صديق طفولتي مبارك..

وأخذ ينادي على أخته – وقد كانت بين الجالسات – حياة…. حياة…..يا حياة..

ولكن لا (حياة) لمن تنادي..

وقبل أشهر استضافت قناة (فرنسية 24) سودانيين مقيمين بباريس..

وكان عن الراهن السوداني…بعد الثورة..

والضيوف ثلاثة ؛ امرأتان ورجل…وضاع الرجل – رغم فصاحته – بين (الشريحتين)..

وإلى أن انتهى البرنامج ما كان له وجود..

ولا (حياة) !!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى