جعفر باعو يكتب : قفة الملاح

 

*أجمل ما في صفوف “الخبز” هذه الأيام هو التواصل مع أهل الحي خاصة مع ظروف العمل الضاغط “للجميع” والسعي وراء كسب الرزق.

*أصبح البرنامج الثابت يومياً، هو أداء صلاة الفجر، ثم التوجه صوب أقرب فرن لشراء الخبز، وقبل أن يحين دورك يكون السلام والسؤال عن أحوال الأولاد والأخوان البعيدين، والاستماع إلى الطرائف والغرائب التي تمر على البعض.

*في أحد ايام الفرن هذه، قال لي أحد سكان الحي إنه قبل أيام قليلة وجد على الارض “قرش”، والقرش للذين لا يعرفونه هو عملة حديدية كانت تتداول في سابق الأزمان في السودان ولكنه انقرض في عهد الإنقاذ، حيث كانت في بداياتها “الريال” وهو عشرة قروش.

*المهم صاحبنا حمل القرش للذكرى فقط باعتبار أن اليوم الجنيه ومضاعفاته لا يساوي شيئاً فما بال “القرش”، وواصل طريقه ليجد “بصلة” كبيرة فحملها وهو سعيد باعتبار أن البصلة اليوم بعشرة جنيهات.

*من كان يصدق أن البصلة الواحدة اليوم بعشرة جنيهات، ومن كان يصدق أن كيلو السكر اليوم بمائة وأربعين جنيهاً ورطل اللبن بسبعين جنيهاً، وكيلو البطاطس بمائة وأربعين، والسلطة المكتملة بمئتي جنيه، من كان يصدق أن تصل أسعار هذه الأشياء إلى هذه الأرقام والراتب في حاله لا يزيد كثيراً كما يحدث في السوق.

*حسناً.. ما دعاني لتذكر موقف جارنا هذا وذكر قائمة أسعار بعض الخضروات هو الانفلات المريع والمخيف في أسواق الخرطوم وغيرها من الولايات، ونخشى أن يزداد هذا الانفلات مع قرار رفع الدعم عن المحروقات المتوقع خلال الأيام المقبلة، ومن المؤكد سيكون هناك ارتفاع في الأسعار بعد اختلاف تعريفة الترحيل لهذه السلع، لذا يجب أن تتحسب الدولة لهذه الكارثة القادمة والتي ربما تكون لها نتائج لا تُحمد عقباها.

*قبل أيام تحدثت في هذه المساحة عن ضرورة قرار رفع الدعم عن المحروقات كإجراء صعب لمعالجة الاقتصاد السوداني، ولكن هذا القرار لابد أن تصحبه قرارات أخرى من الحكومة الانتقالية حتى “لا يضيع” المواطن البسيط، وفي مقدمة هذه الإجراءات لابد من تفعيل برنامج سلعتي الذي يعتبر الاسم الحديث للجمعيات التعاونية التي كانت في السابق ودمرت، ولابد أن تُفعّل شركة مواصلات الخرطوم أسطولها حتى لا يقع المواطن بين نيران أسعار الأسواق وسندان المواصلات.

*إن لم تصل السلع الغذائية والخضروات الى المواطن بأسعار معقولة وإن لم يجد المواطن وسائل المواصلات بأسعار تحددها الدولة لن يستطيع موظف مهما كان راتبه الوصول إلى عمله، ولن ينجح في توفير “قفة” الملاح لأسرته، وهنا ستكون العواقب الوخيمة التى نتحدث عنها وسنشهد الكثير من الممارسات التي يصعب السيطرة عليها من قبل الدولة.

*الكثيرون ينتظرون “سلعتي” بعد أن وصل جشع التجار إلى أبعد الحدود وأصبحت العديد من السلع خارج نطاق بعض الأسر، ولابد أن يزداد إيقاع تفكير الحكومة حتى لا يفقد المواطن صبره وينفجر كما انفجر من قبل.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى