أمريكا والعقوبات.. سياسة المد والجزر!

 

تقرير- النذير دفع الله

في وقتٍ سابقٍ، من العام الماضي قالت مجلة “فورين بوليسي الأمريكية” عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، إن الإدارة الأمريكية تراجعت عن خطط لفرض عقوبات على قوات الأمن السودانية بعد مذبحة فض اعتصام المُحتجين السُّودانيين، وفي ذات الاتجاه أحجمت واشنطن عن فرض عُقُوبات على المجلس العسكري السوداني سابقاً بهدف تمهيد الطريق لاتفاق لتقاسُم السُّلطة بين القادة العسكريين والمدنيين، بينما كان مُبرِّر الإدارة الأمريكية هو خوفها من أن يؤدي اتخاذ إجراء ضد المجلس العسكري إلى وقف مُحادثات السلام بين المجلس وقوى إعلان الحرية والتغيير.
وقالت أمريكا إنه نظراً لهشاشة الوضع، فإنّ العقوبات سابقة لأوانها، مما يؤكد أن أمريكا كانت لديه نية فرض العقوبات، بينما أوضح خبراء ومسؤولون أمريكيون بانه يتعين على الولايات المتحدة استخدام العقوبات بشكل أكثر فعالية أو على الأقل التهديد بفرض عقوبات في المواقف العامة عند التعامُل مع شخصيات عسكرية بارزة في السودان لضمان التزامها بالانتقال إلى الحكم يقوده المدنيون. وقالت لا أعتقد أننا سنتوصّل إلى اتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي وقتها ما لم نظهر لهم أنّه ستكون هناك عواقب لعمليات القمع العنيفة، وإلا فسوف نحصل على نفس النتائج مرة أخرى إذا تعاملنا مع اللاعبين أنفسهم بالتكتيكات نفسها، وبعد مرور أكثر من عام عادت الولايات المتحدة مرة أخرى وفرضت عقوبات على شخصيات سودانية دُون تسميتهم، تقول إنهم يعيقون تقدُّم ونجاح الفترة الانتقالية بعد  أن قرّرت ذات الإدارة قبل 72 ساعة رفع القيود على التعامُلات المالية مع السودان، مِمّا يُؤكِّد ازدواجة القرارات واستخدام سياسية النَّفَس الطويل تجاه السودان.

زوبعة إعلامية

الخبير والمفوض السابق بمفوضية حقوق الإنسان كمال الدين الدندراوي، قال لـ(الصيحة)، إن الأمرين التنفيذيين التي أصدرتهما الإدارة الأمريكية هي إجراءات عادية مُشار إليها في القرار بأنها قرارات لديها دورة إدارية ممتدة منذ عهد الرئيس السابق أوباما، مضيفاً أن الإدارة الأمريكية لم تتوقف في فرض عقوبات على شخصيات سودانية، بل أعلنت وحذّرت مواطنيها بعدم السفر للسودان، وهذا يعتبر إجراءً أكثر خُطُورةً من فرض العقوبات، وأشار الدندراوي الى ان فرض العقوبات على شخصيات لا يُعتبر من الأهمية بمكانٍ، سيما وأن أمريكا قد فَرضت عقوبات على شَخصياتٍ سُودانيةٍ منذ فترةٍ طويلةٍ ولم تسفر منها أي نتائج وما زالت مُمتدة منذ سلام السودان وسلام دارفور، مبيناً أن حظر الأشخاص من السفر لأمريكا لا يعتبر بالضرورة لأي شخصية سودانية، مبيناً أن توقيت إعلان الحكومة الأمريكية لمواطنيها وتحذيراتها لهم أخطر من فرض العقوبات وإن كانوا داخل الحكومة الانتقالية الحالية وليس خارجها، بل وإن كان ضد “حميدتي” أو البرهان لا تعتبر خطراً أكثر من التحذير للسفر الى السودان، خَاصّةً وأن تحذيرات السفر هي بمثابة إعلان للعالم أجمع، سيما وأن أمريكا لديها استاندر عالٍ تجاه مواطنيها ويتم تحذيرهم بأقل نسبة خطر مِمّا يُشكِّل عائقاً كبيراً في عدم دخول أي مستثمر أو سائح للسودان، وكشف دندراوي أن أمريكا اقدمت على هذه الخطوة واستخدامها ككرت ضغط محدد نسبةً للصراع بينها والاتحاد الأوروبي على السودان وانعكس ذلك واضحاً على أعضاء السلطة من الجانبين المدنيين والعسكريين، عليه، فإن تلك التصريحات والقرارات والعقوبات الأمريكية تفهم في هذا الاتجاه، وتساءل دندراوي لماذا لم تُسمِ الادارة الأمريكية تلك الشخصيات؟ عليه فإن الأمر هو زوبعة إعلامية أكثر من كونها إدارية، وقال إن الأثر الذي يتركه من تحذيرات المواطنين الأمريكيين يظل أكبر من أي قرار آخر، في الوقت الذي لا يوجد فيه تعامل مباشر تجاري بين السودان وأمريكا تصديراً واستيراداً، ولكن أمريكا تتعامل بأنها (بوليس) العالم وهذه العقوبات لا تزول إلا إذا رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب والتي تُعتبر قائمة أمريكية وليست دولية.

عليه، فإنّ تصريحات وزير الخارجية الأمريكي حول استلام الكونغرس في الأيام القليلة القادمة، مشروع قانون لإلغاء القانون الذي وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وهو ذات التصريح الذي قيل قبل شهرين من الآن وفي عهد حكومة الإنقاذ، مبيناً أن قانون قائمة الدول الراعية للإرهاب هو قانون كونغرس لا يلغيه الرئيس أو وزير الخارجية، لذلك فإن تصريحاتهم أحياناً لا معنى لها، مضيفاً أن مشروع القانون الذي قدمه وزير الخارجية الأمريكية للكونغرس إذا أجيز فإنه يُعتبر تحولاً كبيراً في ملف السودان.

تهديدٌ مفتوحٌ

المحلل والخبير السياسي بروفيسور الفاتح محجوب أكد لـ(الصيحة) أن الإدارة الأمريكية لم تحدد الأشخاص مما يعتبر القرار بمثابة تهديد مفتوح ويمكن للإدارة الأمريكية استخدامه متى ارادت في وجه شخصيات نافذة سواء كانت عسكرية أو مدنية ترى الإدارة الأمريكية أنهم يمثلون إعاقة أو عقبة أمام التحول الديمقراطي أو نجاح الفترة الانتقالية، مضيفاً أنه ليس ما يمنع أن يطال القرار شخصيات من قِوى إعلان الحرية والتغيير، وأشار محجوب الى ان القرار الأمريكي جاء مبهماً لم يحدد أشخاصاً، وانما حدد افعالا، وبهذه الطريقة يعتبر القرار بمثابة سيف تشهره الادارة الأمريكية في من تشاء، سيما وأن معظم القيادات السياسية السودانية ليس لديهم ارتباط مباشر بأمريكا، كما أن معظم الذين لديهم عقوبات سارية، فإنهم قليلو السفر إلى أمريكا إذا اعتبر أن السفر لأمريكا من غير المقيمين أو من حاملي (القرين كارد) يصعب بشكل أو آخر زيارة أمريكا بصورة متكررة أو لديهم مصالح، مشددا ان القرار بالصورة التي فُرض بها يعطي السفارة والادارة الأمريكية سلطة كبيرة على النافذين السياسيين في السودان من عدم منح التأشيرات ومصادرة الأموال، عليه يمثل القرار سيف الإدارة الأمريكية، وأوضح محجوب أن السودان وُضع في قائمة الدول الراعية للإرهاب بقرار من وزارة الخارجية الأمريكية ولم يصدر بقرار من الكونغرس، ولكن الكونغرس يستطيع تعطيل هذا النوع من القرار ولكن المشكلة التي حالت دون اتخاذ هذا القرار من جانب الكونغرس هو عدم انتهاء التسوية لضحايا السفارتين والمدمرة كول، ولكن تم عرض تسوية حالية قيمتها 330 مليون دولار كتعويضات وتسوية مما يجب على الكونغرس قبولها وإعطائها الصفة القانونية لضمان موافقة الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات لارتباطها بالتسويات وهي تعتبر الخطوة قبل الأخيرة واذا تم قبول التسوية فإن قرار رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب يمكنه ان يصدر في أي لحظة، أما حظر نافذين سودانيين لإعاقتهم نجاح الفترة الانتقالية هو في نظر الحكومة الأمريكية قرار يدعم الحكومة الانتقالية وليس جزءاً من العقوبات، وإنما هو نوعٌ من القرارات التي أرادت الحكومة الأمريكية أن تدعم بها الحكومة الانتقالية وتُعاقب كل من يحول دون التغيير السياسي الجاري في السودان.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى