فشل الصحة

 

*أحد الأصدقاء الأجلاء يزيد دخله الشهري عبر العمل “رحال” حاله وحال الآلاف من أهل السودان بعد أن ضاقت بهم الأسواق وشحت لديهم الأموال مع الأزمة الاقتصادية، صديقنا هذا ظل يسرد بين الحين والآخر مواقفه مع “زبائنه” وجلها كانت طريفة وأخرى مؤلمة.

*أمس حكى لي قصة جعلت القلب يعتصر حزناً على حال “زبونه” وعلى السودان بصفة عامة، وبدأت قصته حينما طلبه أحد مرضى “الفشل الكلوي” نسأل الله له تمام الصحة والعافية، وكان هذا الرجل يريد الذهاب لإجراء غسيل كلى في مستشفى بحري، ولكنه لم ينجح في ذلك ففي ذات الوقت كانت إدارة المستشفى عمليات تعقيم بعد الشك في وجود حالة إصابة أحد المرضى بكورونا.

*ظل صديقنا مرافقاً للمريض بحثًا عن مرفق صحي آخر لإجراء الغسيل، ولكن في كل واحد من المرافق التي ذهبوا إليها كان الاعتذار عن عدم تمكنهم من إجراء الغسيل، وأخيراً دلهم أحد الاطباء للذهاب إلى مستشفى علياء وليتهم لم يذهبوا، تخيلوا معي أن غسيل الكلى في هذا المستشفى يكلف ثلاثة آلاف جنيه، وعلى المريض أن يدفعها ثم ينتظر دوره لإخباره بموعد الحضور للغسيل.

*طبعاً المريض لم يكن يملك هذا المبلغ وعاد إلى منزله بحالة يرثى لها وذهنه مشغول بكيفية تجهيز هذا المبلغ أو انتظار ما هو أسوأ من ذلك نتيجة لعدم توفر غسيل للكلى.

*وجدت صديقي هذا حزينًا جدًا كنت معه كذلك لوجود مريض فشلت الدولة في توفير علاج له وهو أبسط مقومات احترام الإنسانية، كم من مستشفى تتزين بمبانيها ولكنها تفشل في توفير أبسط المقومات الطبية التي تنقذ حياة إنسان.

*خواتيم الأسبوع المنصرم كنت في زيارة لتغطية تدشين المبادرة الشعبية لحماية الريف الجنوبي من جائحة كورونا ، هذه المبادرة التي وجدت الإشادة والارتياح من كافة قطاعات الريف الجنوبي، وخلال تجوالنا مع القائمين على أمر المبادرة كانت زيارتنا لمستشفى رجل الأعمال الراحل بابكر حامد موسى بجبيل الطينة.

*ود الجبل عرف بأعماله الخيرية التي وصلت للقريب قبل البعيد وجل الريف الجنوبي والجموعية يعرفون أياديه البيضاء في كل مشاريع المنطقة، نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته مع الشهداء والصديقين بقدر ما أعطى لهذا الوطن، وهناك في موطنه الأصل “جبيل الطينة” كانت إحدى أعماله الخيرية بتشييده مستشفى رائعاً بمبانيه وروعة تصميمها ولكن هذا المستشفى يحتاج الى كادر طبي على مستوى عالٍ ويحتاج إلى معدات طبية تريح أهلنا في تلك القرى من عناء الترحال إلى مستشفيات أمدرمان وجبل أولياء.

*ما تحتاجه مستشفى الجبيل هو في عنق وزارة الصحة وولاية الخرطوم معاً، وما تحتاجه مراكز غسيل الكلى في قلب الخرطوم أيضاً مسئولية وزارة الصحة والولاية معاً، فإن فشلت الوزارة في توفير أبسط هذه المقومات فعلى وزيرها الرحيل، وإن فشل والي الخرطوم في توفير أبسط الخدمات لرعيته فعليه أن يترك كرسيه للذي أجدر منه في فعل ذلك.

*غداً بحول الله نكتب عن هذه المبادرة الشعبية التي بهرت الخرطوم وغيرها من ولايات السودان لتؤكد تلاحم أبناء الريف الجنوبي جميعاً دون استثناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى