حسني مبارك

 

تَقُول الرواية إنّ حسني مبارك، الرئيس المصري الأسبق، كان رجلاً بسيطاً جداً. فقد تَلَقّى تعليمه الثانوي في موطنه “شبين الكوم” ودخل الكلية الحربية وتخرّج فيها، وفي نفس العام دخل الكلية الجوية وتخرج فيها طيّاراً بعد عامٍ واحدٍ من التدريب، وظَلّ يعمل ويترقّى حتى حرب أكتوبر. وقد قَفَزَ في تلك الفترة من رُتبة العقيد إلى رتبة الفريق في أقل من خمس سنوات. وعندما اختاره السادات نائباً له، كان أول شئ سأل عنه هو الراتب والمعاش والمُخَصّصَات وهل ستكون أقل مِمّا يتقاضاه قائد القوات الجوية؟!

وعندما أصبح رئيساً للجمهورية بعد اغتيال السادات، اشتهرت سنوات حُكمه الأولى بالسعي للاستقرار، إذ لم يكن يميل مثل السادات للحكم عن طريق الصدمات، ولا القرارات المُفاجئة والتحوُّلات الدرامية. لم يكن مُنظِّراً سياسيّاً ولا اقتصادياً، وكانت طريقته في الخطاب بطيئةً وهادئةً ورتيبة، تُركِّز على كلماتٍ عامةٍ لا تحمل رؤية جديدة ولا تفكيراً خلاقاً ولا تجديداً في الطرح والمُبادرة، ومع ذلك استمر حُكمه قرابة 30 عاماً.

السر في استمرار واستقرار حكم مبارك لم يكن الإنجاز الاقتصادي، ولا علاقته الجيدة مع إسرائيل وأمريكا، وخَاصّةً مخابراتها، ولا ذكاؤه وعبقريته وقُدرته على اللعب السياسي الحريف – كلا – كان السبب هو أنّ أعمدة حكمه كانوا من عَمالقة الدولة المصرية الحديثة.

لم يكن الحزب الوطني الديمقراطي، أو حزب المهرولين كما أسماه البعض عندما خرج السادات من حزب مصر وأسّسه، حزباً عقائدياً تجمع أعضاءه الأيديولوجيا والفكرة المركزية، بل كان حزب السلطة، حزب الحكومة، ولذا لم تكن سجلات العضوية مُهمّة عندهم، ولا الاستقطاب والتدريب والتصعيد وفقاً لمعايير “الجماعة” كما في حزب البعث مثلاً أو الشيوعي أو الأحزاب الإسلامية. ولذا كان جميع التكنوقراط من قيادات الخدمة المدنية أعضاءً في لجانه وهياكله. وكان التعيين للمواقع يأتي وفقاً للكفاءة كما يقدرها الرئيس ورجاله. كان المُحافظون مثلاً في أغلب الأحوال، هم من ضباط الجيش والشرطة المعاشيين. وكان الوزراء هُم من نخبة النخبة من الخُبراء والعلماء وأساتذة الجامعات. وبنظرة سريعة لرؤساء وزارات مُبارك، يُمكنك مُلاحظة عمل تلك المعايير والآلية، بما يشبه وزراء حكومات نمــيري عندنا في السودان، فقد ضمّت القائمة أسماءً مثل فؤاد محيي الدين، كمال حسن علي، علي لطفي، عاطف صدقي، كمال الجنزوري، عاطف عبيد وأحمد نظيف.

ولمُواصلة القصة، نذكر أنّ حكومة محمد مرسي الأولى، بعد فوز حزبه بالرئاسة و70 في المائة من البرلمان، تَشَكّلَت برئاسة تكنوقراطي مُستقل هو هشام قنديل. ومن 33 وزيراً، لم يكن بينهم سوى خمسة فقط من الحزب الحاكم، والبقية كانوا من الخُبراء المُستقلين والكفاءات.

مُناسبة هذا الحديث أنّي وجدت صديقاً يُردِّد كلمات مُصطفى كامل الشهيرة: لو لم أكُن مصرياً لوددت أن أكون مصرياً، ببعض التعديل. كَانَ صديقي يُعدِّد أسماء وأعضاء حكومة الكفاءات التي تُدير الأمور في بلادنا ويقول: وددت لو أنّي كُنت مصرياً!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى