حكومة السودان.. “السنون عُضام والبطون برام”

 

عندما قامت ثورة ديسمبر، كان رأيُنا واضحاً، وهو أن يكون الحُكم عسكرّياً قحاً لمدة محدودة تعقبه انتخابات حرة ونزيهة، وآخرون يرون أنه يجب أن يكون الحكم مدنياً صرفاً ويرجع الجيش لثكناته، وفكرة ثالثة، وهي الحكومة المُختلطة مدنية وعسكرية وهي السائدة الآن. ولكن كما قال المثل “السنون برّاقة تضحك بيضاء في وجوه البعض للبعض والبطون ضد بعض سوداء كالبرام”.

ربما رأينا كان ساذجاً أو سطحياً أو غير استراتيجي كما سمعنا. ولكن باختصار كان هدانا هو تيمّناً بالمثل القائل راسين غرقوا المركب. ووضح الآن صدق هذا المثل، فإن الحكومة بشقيها التنفيذي والسيادي ليسا على قلب شخص واحد. ووضح ذلك من خلال الزيارات الخارجية التي يقوم بها أيٌّ من مسؤولي الطرفين دون علم  الآخر، لاسيما زيارة البرهان ليوغندا التي التقى خلالها رئيس الوزراء الإسرائيلي، أو الخطاب الذي خرج من مكتب رئيس الوزراء للأمم المتحدة طالباً منها التدخّل في السودان حسب الفصل السادس من ميثاقها، وغير ذلك من القرارات والإشارات السالبة التي تصدُر من الجانبين وكأنها خنجر مغروس تحت الحزام. لابد أن تكون هذه هي الحال. فالمجموعتان  كصيادين التقوا فجأة في واد (قرقاجة لمتهم بوطة)، فالعسكر كانوا هم جند وجنود وأجناد البشير رئيس النظام السابق من الملازم إلى الفريق، عاشوا تحت قراراته وتوجيهاته، وقدّموا له من التحيات والتبريكات والولاءات والالتزامات، والقسم المغلظ ما الله به عليم. ولكن ظروف الثورة أجبرتهم على الانحياز لصالح الشعب لحفظ الأمن ووحدة البلاد. وأعتقد أنه أيضاً من صميم وظائفهم رغم ولائهم للبشير. فإذا كانوا يحبونه فقدروا أن حبهم للسودان أعظم. أما جنود الثورة فأمرهم مختلف جداً. فهم كانوا ضد النظام بمن كان فيه سواء حميدتي أو برهان. إلا أن ظروف الثورة جمعتهم ليخدموا البلد. وكما قيل في المثل “الدرب حسود يلمك مع قاتل أبوك”.  فمن الصعوبة  أن يعمل الطرفان مع بعض لتحقيق الهدف السامي وهو الوصول إلى نهايات سليمة للفترة الانتقالية. وإذا لم يتراجع الطرفان فإنهما  يقتربان من عُنق الزجاجة فسيخرج واحد فقط من العنق وليس اثنان. والمُتوقّع أن الذي سيخرج ليعرض نفسه للمجتمع السوداني هو الجانب العسكري تاركاً طرفه الآخر (في الفتيل) إن لم يلحق بالذين طردهم من قبل في كوبر. وإن حصل ذلك فإن الجانب العسكري سيعيد الدورة الجهنمية التي تلحق بالسودان مزيداً من الخراب والدمار. فإن لم يُفلح في ذلك النميري والبشير فكيف ينجح البرهان؟!. وسيلحقون بسلفهم في مزابل التاريخ واللعنات تُطاردهم في سجونهم وقبورهم وفي بقية حياتهم ولو بعد حين . وإن المدنيين حتى إذا خلا لهم الحال وهموم الوطن لم تكن على بال. وانصرفوا إلى القضايا الانصرافية كما نرى. ولم يجمعوا الشمل بعمل مصالحات وطنية حقيقية تساهم في التضامن والتعاضد لخدمة الوطن. فإنهم لا محالة سيذهبون إلى مزابل التاريخ. وكما خاطبنا الرئيس المخلوع البشير قبل سقوطه بأشهر وقلتُ له حرفياً إما أن تختار أن تدخل التاريخ أو تدخل مزبلته. ولا أدري بالضبط أيهما اختار. وها أنا الآن أقول لإخوتي وأخواتي في المجلسين، تنازلوا عن أجنداتكم الخاصة والحزبية والجهوية  إلى أجندات الوطن. ضحّوا من أجله لتلقوا أجركم الطيب عند الله والناس. وإلا فستذهبون تُلاحقكم  اللعنات، وأما الشعب فإنه باقٍ بإذن الله.

د. محمد عيسى عليو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى