كُلنا في الهَـــــم غرب وشرق

 

لم نَكد نهدأ قليلاً من الحروب والصراعات واللجوء والنزوح في دارفور والمنطقتين، حتى أطل علينا الشرق الحبيب بصراعات سياسية على (سديريات) قبلية. فمنذ أشهر حصلت أحداث عُرفت بمُشكلة النوبة والبني عامر في القضارف، ثم قفزت فوق كسلا وعبرت جبال التاكا إلى أحياء بورتسودان الطرفية، ولم تهدأ الأحوال قليلاً حتى لاحت على الأُفق مظاهر خلاف بين قبيلتين كبيرتين في الشرق، بل هما أوتاد الوطن على بوابته الشرقية وهما الهدندوة والبني عامر.. ومعروفٌ أنهما ينحدران من القبيلة الأصل البجا، والتي تنحدر منها بالإضافة للقبيلتين أعلاه، فروع البشاريين والحمران واللحويين والضباينة والأمرأر كمثالٍ. ويتعايش مع هذه القبائل في الشرق قبائل أخرى ذات عناصر عربية وأفريقية كالبطاحين والشكرية والعوامرة وبني بكر والهوسا والمساليت وغيرها من القبائل السودانية الأخر،ى ومن هذه اللوحة يتأكّد لنا أنّ الشرق هو السودان المُصغّر، بالإضافة إلى موقعه الجُغرافي الفريد يمتاز بالجبال والبحار والأنهار وقوة الرجال وفسحة الخُضرة والجمال، لذلك حَرِيٌّ بنا أن نهتم بما يَحصل في الشرق. حبسنا أنفاسنا وهمسنا وجهرنا واستفسرنا وسألنا، ما الذي يحصل في الشرق، وهل هو مُؤشِّرٌ لصراعٍ جديدٍ في السودان؟ وهل هناك أذرع أجنبية وإقليمية تُحاول أن تعبث بالسودان، مُستغلةً فترة الانتقال التي حسمتها استخباراتياً أنّها هشّة وما عليها إلا الإجهاز لتُسيطر على شريان حياة السودانيين ميناءي سواكن وبورتسودان والمواقع المائية المُهمّة الأخرى في الشرق، وإنّ هناك دولة خليجية شابة يشرئب عُنقها لوراثة السودان؟! أسئلة تَتَنَاثَر غَصباً عنا، ونحن نتداول في الصالونات أطراف الحديث حول الأزمة الأخيرة بين البني عامر والهدندوة.

الحمد الله تم توقيع هدنة (القلد)، ولكن أسرع بنا الزمان حيث ينتهي (القلد) في 10/12/2019م، وهل إذا لم يَحصل صلحٌ أو يتم تأجيل لـ(القلد)، ستقوم قيامتنا من الشرق على اِعتبار أنّ القبيلتين المُتصارعتين لكل منهما حلفاء في المنطقة، إضافةً إلى الجوار الأفريقي الذي تمتد إليه أيٌّ من فروع القبيلتين الكبيرتين. ولا ننسى الطموح أو الطمع الذي ينتاب الدول العربية الأخرى في تسابُقٍ محمومٍ لصد طموح الدولة الخليجية العارم.

على العموم، ما زالت أيادينا على قلوبنا وأنفاسنا مكتومة وعقولنا حيرى. كل دعائنا أن يمد أجل (القلد) لفترةٍ مُناسبةٍ تُمكِّن أهل الخير من التدخُّل لنزع فتيل الفتنة، والحكومة بشقيها التنفيذي والسيادي تحرس الجميع بمظلة العدل والإنصاف (وشوية عين حمراء) (إن الله لَيَزَعُ بالسلطان ما لا يَزَعُ بالقرآن). فالشرق ليس لقمةً سائغةً يبتلعها أيِّ كائنٍ كان. لقد قلت في صدر المقال إنّ الصراع سياسيٌّ في ثوب قبلي وهي تحليلات وليست معلومات. فقد جاء الأمين داؤود وهو ثائرٌ من بني عامر، وتمّ استقباله مِن عَشيرته وعُضويته وأصدقائه والقبائل المُتحالفة مع قبيلته. وهناك ثَائرٌ آخر تاريخي من الهدندوة حقّق اتفاقاً لشرق السودان في 2006 بإشراف إريتري ودعم كويتي هذا الثائر هو موسى محمد أحمد.

وللعلم، فإنّ القلد القبلي وُضع فيه شرط أساسي محوره شرعية اتفاق الشرق، بما أنّ الصراع قبليٌّ. لكن الأثواب السِّياسيَّة لا بُدّ أن تكون مَعروضةً في السودان في أيٍّ من صراعاتنا وخِلافاتنا التّاريخية والآنية بطريقة أو أخرى. ألم أقل لكم إن الأزمة سياسية بلبوس قبلية، وهو ما كان حاصلاً في دارفور بل وحاضراً، فقط ما يُميِّز أبناء دارفور الآن أنّ التجاني سيسي ليس غاضباً ولا متمرداً على ما سيأتي به أي من قادة الحركات المسلحة نتيجة للتفاوُض الجاري الآن بينها والحكومة، لأنّ اتفاقي الشّرق والغَرب فِيهما مثلثٌ من ثلاثة أضلاع، ترتيبات أمنية وتنمية ومُشاركة سِياسيّة. المُشاركة السِّياسيَّة اِنتهت مع نهاية النظام السَّاقط، فلينتظر الجميع الصَّندوق الاِنتخابي. وأما التّرتيبات الأمنية فاستفاد مِنهَا مُنتسبوها. وأمّا التنمية فهي حجر الرحى الذي يَدور ولا يتوقّف أبداً في مثل هذه الأقاليم المُهمّشة، بل يجب أن يَكون هو الخط الاستراتيجي الذي يتّفق حوله الجميع.

وأرسل رسالتي هذه إلى الخمسة الكرام ناظري الهدندوة والبني عامر تِرِك ودقلل والشابين الثوريين موسى محمد أحمد والأمين داؤود والشيخ بيتاي، أنتم ومن حولكم عيوننا التي لا تنام في شرقنا الحبيب، احسموا الأمر ولا تشمتوا فينا الأعداء وكفى.

أما رسالتي الأخيرة للدولة الخليجية المشرئب عنقها، نحن وفي مواقعنا إن اعترفتم بنا كعنصر مرتبط بكم أو إن لم تعترفوا.. نحن نفتخر بكم إن رضيتم أم أبيتم. مَصدر افتخارنا إنّنا سَاهمنا في تطوُّركم وهَا قَد جاء الإنتاج إلى الأسواق، وكَم مِنَ النّاس بَاعوا واشتروا. ثُمّ أنكم أدرتم مواردكم برشدٍ نسبي سَاهَم في استقرار حال بلادكم وشعبكم. ثالثاً: إنكم لم تُقصِّروا معنا عندما ضاقت بنا الأحوال ورغدت عندكم،. وكأنكم تمثلتم بقول الشاعر إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن، ومع هذا أقول لكم لا تعولوا على ضعف حكوماتنا لتنقضوا علينا.

هناك فرقٌ بين الحكومات والشعوب ليس بالطبع ضعف الحكومات هو مُتوالٍ طردي لضعف الشعوب، خاصة الشعب السوداني. ربما يظن أن الشعب الآن جيعان وعريان وحيران ربما جُزئياً هَذه صَحيحٌ، لكن القلب ما زال حاراً والحمد لله. لا ترى النحيف فتزدريه.. راهنوا على صداقة الشعوب لا استحواذها وتملك أرضها، فهو خَطٌ أَحمر لأيِّ سُوداني مهما قلّت حيلته أو عظمت مَسغبته فهو سلالة أمجاد تركوا بصماتهم في أضابير التاريخ وأنتم أدرى.

د. محمد عيسى عليو

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى