بمناسبة زيارة الرئيس الإريتري..كرِّموا هذا الرجل

علمتُ أن الرئيس الأريتري سيزور البلاد هذه الأيام. والحكمة النبوية تقول من لا يشكر الناس لا يشكر الله تعالى. لقد عشت تجربة شخصية مع هذا الرجل في عام ٢٠٠٦ وحرصت أن أذكرها في مشهد زيارته لبلادنا. لا أعتقد أن يكون هناك مسرح أعرض فيه هذا الشكر والعرفان أفضل من مسرح زيارته للسودان وفي هذه الظروف بالذات. 

اجتمع نفر كريم من السودانيين وتدارسوا أمر البلاد، وكانت الخلاصة أن البلاد تمر بمرحلة دقيقة. غبن يعتمل في النفوس. حروب طرفية في دارفور والشرق مستعرة. تقرير مصير الجنوب يهدد الوحدة. حالة معيشية ضنكة تنخر في عظم المواطن. التهاب دولي ضد السودان بقرارات  ضد الحكومة، ولكنها انعكست على المواطن بأقسى مما على الحكومة. لكل ذلك أقر هؤلاء الإخوة والأخوات قيام هيئة شعبية تعنى بجمع الشمل وتقريب وجهات النظر السياسية المختلفة والاستماع إلى الحركات المسلحة الدارفورية والاستفادة من وجهات نظرها بغية حل المعضلة (في ذلك الوقت وقعت الحركة الشعبية اتفاقية نيفاشا فلم تظهر مشكلة المنطقتين بعد)ن فكان قيام هيئة جمع الصف الوطني والتي كُلف المشير المرحوم عبد الرحمن سوار الذهب برئاستها، وكنت والمرحوم خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق نائبين له. وتمت اتصالات مع كل رؤساء الأحزاب دون فرز وأخذ موافقتهم جميعاً على رؤية الهيئة للم اشمل بمن فيهم رئيس الجمهورية الأسبق عمر البشير والإمام الصادق المهدي والمرحوم الدكتور حسن الترابي والمرحوم الأستاذ محمد إبراهيم نقدن والمرحوم السيد أحمد علي الميرغنين والسيد المرحوم الشيخ محمد الهدية، والأستاذ علي الريح السنهوري وجميع قادة الأحزاب السياسية الآخرين. وكانت أولى زياراتنا خارج الخرطوم لدارفور لمعرفة رأي أهل  المصلحة فحملت الطائرة وفداً كبيرًا من القادة السودانيين وطافت بهم كل ولايات دارفور وعرفت رأي مواطنيها عن قرب وكانت أهم توصياتهم هي الاتصال بالحركات المسلحة بالخارج ومحاولة التفاهم معها لحل المشكلة، وهي التي سببت كل الخراب والضياع والنزوح واللجوء للمواطنين. وفور رجوعنا قررنا الاتصال بالحركات. 

ولما كان الرئيس الاريتري الزائر متابعاً للأحداث وعالماً بدور الهيئة، فما كان منه إلا أن اتصل بقادة الحركات وطلبهم الحضور لبلاده غير الذين كانوا أصلاً يقيمون معه. ومن ثم طلبنا كهيئة أن تعالوا لغخوتكم واستمعوا لهم. فكانت فرصة أن اتصلنا من جانبنا بقادة الحركات ووافقوا جميعًا على زيارتنا وكان على رأس القادة الحاكم السابق لدارفور الأستاذ أحمد إبراهيم دريج والدكتور شريف حرير، والأستاذ عبد الواحد محمد أحمد النورن والأستاذ عبد العزيز عشر شقيق الدكتور خليل إبراهيم ولغياب دكتور خليل بالميدان كلف شقيقه عبد العزيز لمقابلتنا وفوضه تماماً فيما نتوصل إليه من نتائج للحوار. وهناك قادة آخرون بلغوا حوالي خمسة عشر شخصاً. وكانت زيارتنا لأريتريا في رمضان من عام ٢٠٠٦. وكنت رئيس الوفد لغياب المشير سوار الذهب لوعكة صحية في قلبه. استقبلنا استقبالاً حاراً من قبل الحكومة الأريترية. وفي اليوم التالي مباشرة طلبنا الرئيس أسياس أفورقي وجلسنا معه حوالي ساعة كاملة. ومن كلماته أنه سوداني من الديوم الشرقية، وأن فضل السودانيين على أعناقهم كأريتريين. وأنه مثلما ساهم في حل مشكلة الشرق على التو. فإنه سيساهم في حل مشكلة دارفور، وقال آن للسودان أن يرتاح من الحروب، وقال إن مشكلة السودان هي التدخلات الأجنبية. 

وأخيراً قال لي إن كل قادة الحركات ستقابلهم غداً في مكاني هذا. وبالفعل في نفس الموعد المضروب وجدناهم كلهم أمامنا وجهاً لوجه. كانت الجلسة الأولى متوترة تحوم حولها الشكوك والتوجس ولكن في الجلسات الأخرى اتفقنا تماماً على مطلبين وليسا  شرطين لبدء التفاوض مع الحكومة وهما إيقاف نار مشترك مع الحكومة وإطلاق سراح المعتقلين في قضية دارفور. لم نصدق ما توصلنا إليه لسهولة وإمكانية المطلبين وأكثرنا فرحاً الرئيس أسياس وزملاؤه. ولما عُدنا وجدنا العجب العجاب والتلكؤ والصعاب من عرابي الإنقاذ عمر البشير ونافع وعلي عثمان. والتفاصيل إن شاء الله في كتابنا الذي سيصدر في أقل من شهر. لم نستطع مقابلة البشير ولا أي من رجاله المهمين حتى نبلغهم نتائج الرحلة. مكثنا عدة أشهر ولم نجد لمقابلة البشير سبيلاً. وكان قبل ذلك نلتقيه لننوره بلقاءاتنا مع قادة الأحزاب . بل قبل سفرنا لاريتريا بساعة كنا معه وبارك بشدة زيارتنا مع الترحيب بأي مبادرة تقرب بينهم والحركات المسلحة. 

وفي النهاية عندما تأكد للرئيس الأريتري عدم جدية الحكومة السودانية للتفاوض مع الحركات الدارفورية فتح درجه وأعطاهم جوازاتهم وودعهم الله. فعبد الواحد الذي أصبح فيما بعد كلبن الطير كان كعصفور في قفص حريري في يد الرئيس أسياس أفورقي. فالصقور في المؤتمر الوطني اختطفت مبادرتنا وألقتها سجينة في كوبر وفي النهاية لحقت هي بها والآن لسان الحال يقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً.

تحية معتبرة وخاصة جداً للإريتري السوداني الرئيس أسياس أفورقي وهو يزور بلده السودان ليشم دعاش الديوم الشرقية ويلتقي بالصحاب والأحبة وهم لا شك في خاطره ولأنه ود بلد فإنه يتمثل بالشاعر القائل  إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا من كان يألفهم في المنزل الخشن. أقترح تكريم الرئيس أسياس مثلما أكرمنا الرئيس الأثيوبي أبي أحمد بالتصفيق الحاد مؤخراً. هؤلاء هم الذين يشبهوننا ويحسون بأمراضنا. ما نمشي بعيد وقريب منا المسيح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى