مفاتيح واشنطن

اتصال وزير الخارجية الأمريكي مايكل بومبيو برئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يُعد حُسن نيّة من واشنطن تجاه الخرطوم، وتلُّمس للمواقِف عقب ثورة ديسمبر.

ورغم حُسن نيّة البرهان واستجابته للدعوة، بأمل حدوث اختراق في العلاقات بين البلدين، نجد أن واشنطن لا زالت تستخدم العصا والجزرة في علاقتها مع الخرطوم.

الاتصال الهاتفي بين بومبيو والبرهان جاء بعد أيام قلائل من حِرمان واشنطن السودانيين من الاستفادة من برنامج (اللوتري)، مما يعني أنها تتعامل مع الخرطوم بأكثر من سياسة وخطة، لأن الأفعال تُنافِي الأقوال.

إذا ما اجتررنا الذاكرة في تعامُل واشنطن مع الخرطوم، نجد أنها منذ عهد النظام السابق كانت واشنطن تَشترِط، بينما الخرطوم تستجيب، وكلما استجابت الخرطوم، رَمَت واشنطن على الطاولة مزيداً من الاشتراطات، كان أبرزها استجابة الخرطوم للتعاون مع واشنطن في ملف الإرهاب، وهناك كثيرٌ من القصص والحكاوى وتسليم عددٍ من المطلوبين الدوليين لواشنطن.

هذه (الجرجرة) لابد للبرهان ــ وهو يُهّم بالسفر إلى واشنطن ــ أن يضعها في الاعتبار، ويُدرِك أن أمريكا ليس لديها أي التزام فيما تقول، فقط تُريد أن تُربِك الساحة السياسية السودانية، وإبعاد الخرطوم عن عدد من الحلفاء الذين يُمكن أن يكونوا خير سَنَدٍ وعَونٍ لها اقتصادياً وسياسياً.

فالحديثُ عن رفع العقوبات الاقتصادية أو رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، ليس هو الملف الذي يحمله البرهان ليُطلِع واشنطن على آثاره، لأنها تَفهَم ذلك الملف وآثاره ربما أكثر من الخرطوم، ولكنها لا تريد أن تتعامل معه لشيءٍ في نفسها وليس بسبب ملف الإرهاب.

رفعُ سقفِ نتائج الزيارة لدى الرأي العام من الآن يُعَدُّ أمراً سلبياً، وما زيارة رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك الأخيرة لواشنطن إلا خير دليل، لأن مُعظم المسؤولين ووسائل الإعلام هيَّأت الرأي العام بأن الزيارة ستُحدِث اختراقاً كبيراً في العلاقات، وما أن جاءت دون الطموح حتى أصاب السودانيون إحباط شديد، لأنهم كانوا يُعلِّقون كل الآمال على تلك الزيارة، فيجب أن نتعامل مع زيارة البرهان القادِمة دون آمال عراض، فإن تحققّت أي نتيجة إيجابية ــ وهو الأمل والمُرتَجى ــ فيجب التعامُل معها، وإن لم تتحقّق، فالتعامُل يجب أن يكون وفق الحَدَث.

لستُ متشائماً من الزيارة، لكن على الخرطوم أن تبحث عن مفاتيح جديدة، للتعامُل مع واشنطن، لأن المفاتيح القديمة أصبحت صَدِئة وغير فاعِلة، ولابد من الاستفادة من الدول الصديقة والشقيقة لتهيئة واشنطن بضرورة أن تتعامَل مع الخرطوم وِفق رؤية جديدة، ومنظور سياسي مُختلِف.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى