سيربح الوطن

أخيراً، فَطَنَت قِوى الحُرية والتّغيير أنّ هناك أطرافاً سواء من داخل مُكوِّنها أو خارجه لا تُريد أيِّ تَقَارُبٍ بينها والمجلس العسكري، وتجاوزت كل الدماء التي سَالَت في الأبيض وأم بدة وجلست للتّفاوُض مع العسكري.

جلست قِوى الحُرية والتّغيير رغم أنّ الشارع في مُعظم مُدن السُّودان خَرَجَ في (مليونية القصاص العَادل)، والتي أيضاً أُرِيقَت فيها دِماء أربعة مُواطنين، كادت أن تعصف بالعملية التفاوُضية.

منذ أول أيّام التّفاوُض بين الطرفين، قلنا إنّه يجب أن يجرى التفاوُض دُون رد أيِّ فعلٍ خارج طَاولات التّفاوُض، لكن قِوى الحُرية والتّغيير كانت كثيراً ما تتأثّر بمُجريات ما يجري في الشارع من أحداث، فعلّقت التفاوُض أكثر من مَرّة بسبب أحداثٍ، لكنها سُرعان ما عَادت، لأنّها أدركت أنّ مُكتسبات الثورة لن تتحقّق إلا بالتّفاوُض، رغم السّيل الجَارف من المُواطنين الموجودين في الشارع.

فنزيف الشارع والدماء التي تسيل من حِينٍ لآخرٍ ليس لها ما يُبرِّرها، وهو ما أدركته قِوى التّغيير، وعرفت أنّ وقف الدماء تلك يمر عبر بوابة الحوار، مهما كلف من تنازلات أو جهدٍ أو وقتٍ.

فالأشهر الأربعة التي مَضَت من الحادي عشر من أبريل، سَالَت دماء ما كَانَ لها أن تسيل لولا المُماطلة و(الجَرجَرة) في التّفاوُض، كَانَ بالإمكان خلال الأشهر الأربعة المَاضية أن تتشكل الحكومة، وتَمضي في إنفاذ أولوياتها وتحقيق أهدافها، بدلاً من العراك اللفظي والتشاكُس..!

مَرحلة المُفَاوَضَات الحَاليّة ورغم الإنجاز الكَبير الذي تَحَقّقَ في عددٍ من المَلفات وقُرب التّوصُّل لاتّفاقٍ بين الطَرفين بحسب الوَسيط الأفريقي، إلا أنّ أنني أعتقد أنّ المرحلة القادمة وهي إنفاذ الاتّفاق، هي الأصعب.

بالتأكيد ليست صَعبة على المجلس العسكري الذي سيكتفي بتعيين أعضاء مجلس السيادي، ولكنها ستكون صَعبة على قِوى الحُرية والتّغيير، لأنّها المحك الأساسي للعبور بالسودان إلى بَر الأمان.

مرحلة اختيار الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي هي أصعب المراحل، لأنّ قِوى الحُرية والتّغيير لا تتعامل مع جسمٍ واحدٍ كالمجلس العسكري، بل تتعامل مع أجسامٍ مُقسّمة ومُفتتة، وقد لا يكون بينها أيِّ حَدٍّ أدنى من الروابط، وهنا تظهر المُحَاصَصَة والتّرضيات، وهو الأمر الذي أدّى بالحكومة السَّابقة إلى التّهلكة.

فالجميع لا يُريدون أن يُكرِّروا تلك التّجربة، فلا بُدّ من اليوم التّوافُق والتّواثُق على أن الحكومة القادمة كفاءات مُستقلة، ذلك إذا أردنا أن نعبر المرحلة الحالية.

السِّياسَة فن المُمكن كما يقولون، لن تُحَقِّق أهدافك بنسبة 100% ولن تخسرها بنسبة 100%، لكن حينما تضع الوطن هدفك، فأحياناً تخسر بنسبة 100%، ولكن بالتأكيد سيربح الوطن.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى